بقلم: سامي أبو سالم

عاد صلاح عبد المعطي عابد (58 عامًا) إلى بيته في مخيم جباليا شمال غزة، حاملاً كيسًا صغيرًا من الذرة الصفراء المطحونة والمخلوطة مع علف الدواب، أضاف إليها قليلاً من الدقيق والماء وعجنها ليصنع منها خبزًا يسد بها جوع عائلته وعائلات بناته اللواتي لجأن إليه.

وقال عابد: إن المواطنين في غزة وشمالها يعانون جوعًا حقيقيًا بسبب الحصار الاسرائيلي الذي أدى لنفاد العناصر الغذائية الأساسية على رأسها الطحين والرز وشح الماء أيضًا، "نخلط الذرة بالعلف ونضيف لها قليل من الطحين، إن لم نفعل ذلك سنموت".

ويتابع عابد: "ومن يعثر على شعير أو قمح سيكون حال العجينة أفضل".

وحول ما يتناوله بجانب "الكراديش"، قال: إنه وغيره من المواطنين يعتمدون بشكل أساسي على الأعشاب البرية التي تنمو في الشتاء حاليًا، "إن لم نفعل ذلك سنموت جوعًا". 

وأشار إلى أن "الخبيزة" و"القُرّيص" و"جزر أبو علي" هي أهم أعشاب يعتمد عليها في إعداد الطعام، "أخرط القريص مع جزر أبو علي وأخلطه بقليل من الدقيق ونتناولها على أنها عجّة".

والعجّة هي أكلة محلية تتكون من خليط من بصل وبقدونس وبيض وطحين وبعض التوابل.

أما جزر أبو علي والقريص فهي من الأعشاب البرية التي تنمو شتاء ويعمد المزارعون على تنظيف أراضيهم منها كي لا تضر بمحاصيلهم، لكن تبقى الخبيزة أكلة شعبية شتوية لكنها لا تخرج عن تصنيفها كعشبة برية.

وقال عابد: إن أهم ما يفتقده المواطنون بجانب الطحين هو حليب الأطفال، وهناك عائلات لا تزال نازحة في مدارس بشمال غزة ولديهم أطفال أراهم يبكون من الجوع والنسوة يناشدن أي شخص لتقديم المساعدة. 

ونشر نشطاء وصحفيون ومواطنون مقاطع فيديو، على منصات التواصل الاجتماعي، يعرضون أزمة الجوع التي تضرب أمعاء الأطفال.

وفي مقطع فيديو نشره الصحفي عماد غبون على حساب له، امرأة نازحة هي وأطفالها في شمال غزة وأطفالها ينامون ويصحون وهم يبكون من شدة الجوع.

ويستضيف عابد خمس عائلات منها ثلاث بناته وأطفالهن ويقضون اليوم في محاولة الحصول على الطعام والماء، ونحن في حارة السماسمة في قلب المخيم ننطلق كل يوم كل في اتجاه للبحث عن الماء وبعض الشعير والذرة والعلف والأعشاب.

وكشف أن أفراد العائلة يتوزعون كل صباح، فمنهم من ينطلق لجمع الحطب ومنهم يتولى مهمة العلف والذرة ومنهم الرز ومنهم الأعشاب، والمهمة الرئيسة تعبئة غالونات ماء، مشيرًا إلى أن ولده أمين يتولى البحث عن دقيق أو رز وهي مهمة صعبة.

وقال أمين: "إنه حرث الأرض أمس مشيا بين مدينة عزة ومخيم جباليا، وبعد بحث زهاء 6 ساعات وجدت 4 كيلو من الأرز بثمن 50 شيقل للكيلو أي عشرة أضعاف السعر الطبيعي".

وحذر عابد الذي فقد 25 كغم من وزنه، من خطر نفاد الأعشاب، فهي متوفرة بسبب مياه الأمطار، لكن فصل الشتاء يغادر ولن يبق أعشاب، ولم يخف تذمره من كون المواطنين لوحدهم دون مغيث.

وقال: "نعم نحن صامدون وسنصمد لكن نريد من يدعم صمودنا، نحن وحدنا"، وبلغ ثمن كيس الطحين وزن (25 كغم) حوالي 2400 شيقل بعد أن كان 40 شيقل فقط قبل الحرب، وبلغ سعر كيلو الشعير الآن 30 شيقل.

وكانت بعض العائلات قد احتفظت ببعض الأطعمة كاحتياط للطوارئ لكنها نفدت بعد شهر أو شهرين او أكثر.

وقال الشاب رامي رابعة من مخيم جباليا: إن عائلته الممتدة كان لديها طعامًا وفيرًا لكنه نفد، وأهلي وأعمامي يعملون في تجارة المواد الغذائية وكان لدينا مخزون جيد لكنه نفد بعد 3 أشهر والآن نبحث عن الخبيزة والذرة والعلف". 

وأشار إلى أن والده واعمامه لديهم بعض المال ليشتروا به الطعام لكن الطعام غير متوفر أصلاً، فالمعكرونة والرز والزيوت والأجبان كلها نفدت، ولم أتخيل في حياتي أن أنام جوعان ونحن نتاجر في اللحوم والمواد الغذائية، وحذر الطبيب إبراهيم سعد الدين من خطورة الجوع الذي ربما يؤدي للوفاة أو على الأقل لانتشار الأمراض.

ويتابع، إن سوء التغذية يُفقد الجسم الطاقة ويسبب شلل في العمليات الحيوية (الموت أو إضعاف المناعة) وهذا ينذر بانتشار الأمراض خصوصًا وسط شح المياه وقلة النظافة.

وقال محمد الهسي من جباليا: إنه يضطر كل يوم للبحث عن الأعشاب على أطراف المخيم وفي بساتين البرتقال التي تعرضت للتجريف والقصف، وتعرضت للموت أكثر من مرة بسبب إطلاق الرصاص أو قصف مجاور خلال بحثي عن وجبة خبيزة أو أي شيء يؤكل. 

وكان الصحفي يوسف فارس، الذي لم يغادر شمال غزة، قد نشر تغريدة على حساب له أنه رأى رب أسرة ذبح حمارًا وطبخه ووزعه على الجيران بسبب شح الطعام في مخيم جباليا.

ويقيم في الجزء الشمالي من قطاع غزة (محافظة غزة وشمالها) أكثر من نصف مليون مواطن لم يغادروا بيوتهم، يتهددهم خطر الموت جوعًا.

وقالت وزارة الصحة في تقرير لها إن 600 ألف مواطن يتهددهم خطر الجوع في الشق الشمالي من غزة.

ونشر المصور الصحافي محمد الحجار، من مدينة غزة، منشورًا قال فيه، إن طفلته مجدل نامت وهي تبكي بسبب الجوع، وكان قد نشر في يوم سابق كيف اضطر لتناول حساء بعد أن أزاح الدود بملعقة.

وتحاول جهات رسمية وغير رسمية فلسطينية وأممية إيصال شاحنات مساعدات غذائية للمواطنين في الجزء الشمالي من قطاع غزة إلا أن قوات الاحتلال تحول دون ذلك بقوة السلاح، وتعرضت قوافل مساعدات للقصف.

وقال المتحدث باسم "الأونروا" عدنان أبو حسنة، في بيان صحافي: إن الأونروا تقدمت ب 35 طلبًا لدخول القوافل إلى مدينة غزة وشمال قطاع غزة منذ أول يناير حتى 5 فبراير لكن قوات الاحتلال سمحت بدخول القوافل لعشر مرات.