بقلم: أسيل الأخرس

تقول إحدى الأمهات المكلومات من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، "حياتي التي بنيتها منذ 10 سنوات، بيتي، وأولادي، وزوجي، كلهم راحوا، حتى الهاتف الخليوي الذي كان يحتوي على صورهم تحطم بالقصف، ولم يتبق لي شيء منهم، يا ليتني استشهدت معهم".

وتضيف: "راحوا أولادي الـثلاثة وزوجي وبيتي جراء قصف الاحتلال لمنزلنا في المخيم، ولم يبق لي سوى هذا الرضيع، الذي لا يمكنه التعرف على أحد من أشقائه أو والده".

أتت الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة منذ أكثر من 120 يومًا على كل شيء، مسحت المنازل وسوتها بالأرض، وطمست معالم الأحياء السكنية والأزقة والطرقات، ولم يعد أي من مقومات الحياة البشرية في مناطق سويت بالأرض.

وفي ظروف مشابهة للوالدة المكلومة، يقول ماهر الأخرس وهو ممسك هاتفه: "هذه لين، وهذا نسيم، وهذه زوجتي، وهذه ابنة اخي، لم يتبق لي منهم إلا الصور، في لحظة لم يعد هناك مستقبل لا لك ولا لأولادك، ليتني كنت معهم ولم ابق وحيدًا".

ويضيف، "أنا مريض سرطان حدث العدوان خلال تواجدي للعلاج في مدينة القدس، وبعد أكثر من شهر من بدء العدوان تمكنت من العودة، وعندما عدت لم يكن هناك أحد في بيتي، أولادي، وزوجتي ووالدتي جميعهم استشهدوا".

وتابع: "بعد وصولي أبلغني أقاربي أن الاحتلال قصف المربع السكني الذي أقطنه أنا وعائلتي في خان يونس، وارتكب مجزرة  قصف فيها 10 منازل، بينها منزلي المكون من 4 طوابق، واستشهدت زوجتي واولادي الأربعة وامي وشقيقتي وأولادها الأربعة، وزوجات اخوتي وابنة أخي، و10 من النازحين".

ومن أمام ركام المنزل المحطم قال: "هنا دفنت الاحلام والذكريات راح المربع كله لم يعد هناك فرصة حتى لتذكرهم من خلال المكان، لم يعد هناك بيت ولا عائلة، حرمت من لقاء أي من أطفالي، أو حتى من وداع أخير أو عناق لجثامينهم".

ويتابع: "كل ما في الحياة بات مؤلمًا، وعندما ينادي أحدهم والده التفت، لأتذكر أنني لست المقصود لأنني أصبحت وحيدًا، وراحوا الأولاد".

الطفل محمد قديح الذي لم يتجاوز السابعة، يقول: "كنا قاعدين أنا وأهلي في بيتنا في خان يونس في عبسان الكبيرة، ونزحنا وهناك قصف المنزل، وتحت الانقاض كانت قدمي عالقة، إلى أن تم انقاذي، ولكن ماما ولين ولامار ولانا استشهدوا، وانا الناجي الوحيد".

ويضيف الطفل قديح، "بعد ما أنهيت علاجي في المستشفى اثر اصابتي، ذهبت للعيش عند عمي النازح  في المدرسة".

ويتابع ممسكًا هاتفًا وقال: "هذه صورة أختي لامار كنت اذهب معها للسوبر ماركت، وكنا نلعب مع بعضنا، وهذه لانا كنت اروح معها على المدرسة وكنت أحبهم كتيرًا".

فيما تقول عمة الطفل محمد، إن "أسرة شقيقها والد محمد نزحت، خوفًا من الموت إلى منطقة اعتبروها أكثر أمانًا، إلا أن القصف استهدفهم، واستشهدوا وأصيب محمد.

وتضيف، ان والد محمد يعمل في الخارج، وكان يعمل ويكد من أجل تأمين مصاريف دراستهم، وأنه أبلغ باستشهاد أسرته عبر الهاتف، واحتسبهم عند الله شهداء".

وللأطفال في قطاع غزة النصيب الأكبر في القتل والإصابة والتشريد، ومن نجا من الموت يواجه الآن تحديات في الصمود في ظل أوضاع مأساوية تشهد نقصا في كل شيء وخاصة الغذاء والدواء والعلاج، والملابس الشتوية والأغطية مع دخول فصل الشتاء وهطول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة التي فاقمت معاناتهم.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، قالت الجمعة: إن "تقديراتها تشير إلى أن 17 ألف طفل على الأقل في قطاع غزة، باتوا غير مصحوبين، أو انفصلوا عن عائلاتهم، بعد نحو 4 أشهر على بدء العدوان الإسرائيلي".

وأوضحت اليونيسف أنه في حالات النزاعات، يقوم الأقارب برعاية الأطفال الذين يجدون أنفسهم دون ذويهم، إلا أن السكان في غزة حاليا يفتقرون إلى المواد الغذائية والمياه والمأوى وتواجه هذه العائلات صعوبة في تلبية حاجاتها أطفالها وأفرادها.

وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما أسفر عن استشهاد 27.238 مواطنا منهم 60% تقريبا من الأطفال فقط وما يناهز 40% من العدد الإجمالي للشهداء بواقع ما يقارب 11 ألف شهيد من الأطفال خلال عدوان الاحتلال المتواصل، فيما أصيب نحو 65 ألفا غالبيتهم من النساء والأطفال أيضاً، منهم كثيرون بُترت أطرافهم.