مضت عقود ثلاثة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحديث يدور حول مفهوم الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وفي الحقيقة هذا المفهوم غير دقيق. لأن هناك دولة استعمارية قائمة ومتغولة، وقامت حكوماتها المتعاقبة على التنكر الكلي لوجود الدولة الفلسطينية العربية على أرض فلسطين التاريخية، وترفض من حيث المبدأ فكرة إقامة الدولة الأخرى، دولة أصحاب الأرض الأصليين، الشعب العربي الفلسطيني، وارتكبت كماً غير مسبوق من جرائم الحرب في محافظات الوطن المختلفة وصولاً لحرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني منذ 108 أيام في قطاع غزة، التي أدت إلى سقوط ما يزيد عن 25 الف شهيد، وما يفوق ال62 ألف جريح، وقرابة 10 آلاف أسير حرب في السجون الإسرائيلية وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، وتدمير نحو 70% من المساكن، وإخراج الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، ودمرت مئات المدارس والمساجد والكنائس، وفرضت العقاب الجماعي وحرمت المدنيين العزل من ابسط مقومات الحياة، مما أدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة بما فيها مرض الكبد الوبائي، وكانت سنت القوانين، ومنها ما يسمى "قانون أساس الدولة اليهودية"، الذي صادقت عليه الكنيست في 19 يوليو 2018، بعد أن شرع الرئيس الأميركي السابق، ترامب بتنفيذ صفقة القرن المشؤومة على الأرض الفلسطينية لتصفية القضية والأهداف الوطنية، وتبديد خيار السلام من خلال فرض الإملاءات الصهيو أميركية على قيادة منظمة التحرير والشعب الفلسطيني. 


ومع ذلك، مازالت الولايات المتحدة تناور من خلال تدوير زوايا الصراع للالتفاف على خيار إستقلال الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. رغم تصريحات قيادات اداراتها المتعاقبة بما فيها إدارة بايدن الحالية الشكلية عن تمسكها بخيار "حل الدولتين"، ولكن أي من تلك الإدارات لم ترق يومًا إلى مستوى المسؤولية السياسية والقانونية للالتزام الحقيقي بدفع عملية التسوية السياسية للامام، ليس هذا فحسب، بل إنها مازالت تضع منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد على قوائم "الإرهاب". مع أن ذلك يتناقض مع اتفاقات أوسلو التي وقعت في البيت الأبيض بين المنظمة والدولة الإسرائيلية 13 سبتمبر 1993، ومع القانون الدولي الذي يعتبر قوى حركات التحرر الوطني، ومنها منظمة التحرير طليعة ورئيسة حركات التحرر العالمية كيانًا معترف به، ورغم صدور ما يزيد عن الف قرار اممي لصالح القضية والشعب الفلسطيني، وكفل له حق استخدام أشكال الكفاح كافة بما فيها الكفاح المسلح وفق القرار 3236 الصادر في نوفمبر 1974، وبالتالي إدارة بايدن تقول الشيء وتعمل عكسه.
وإذا كان الرئيس بايدن صادقًا في دعوته لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، فهذا يتطلب منه أولاً الزام إسرائيل وقواته وأساطيله الحربية بوقف الحرب فورًا على الشعب العربي الفلسطيني في كل الأرض الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، ووقف العقاب الجماعي، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة لقطاع غزة، ووقف التهجير القسري لأبناء الشعب؛ ثانيًا الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية بشكل واضح لا لبس فيه أو مغمغة؛ ثالثًا فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، والقنصلية الأميركية في القدس الشرقية؛ رابعًا رفع منظمة التحرير من قوائم الإرهاب؛ خامسًا دعم رفع مكانة دولة فلسطين للعضوية لكاملة في مجلس الامن الدولي؛ سادسا التوقف كليًا عن ملاحقة ملف اللاجئين الفلسطينيين، ودعم حق عودتهم لديارهم التي طردوا منها وفق القرار الدولي 194؛ سابعا إلزام إسرائيل باستحقاقات خيار السلام كاملة، وسحب قواتها ومستعمريها من أرض الدولة الفلسطينية؛ ثامنًا وضع العصابات الصهيونية على قوائم الإرهاب؛ تاسعًا عقد مؤتمر دولي للسلام ملزم ووفق روزنامة زمنية محددة وواضحة؛ عاشرًا التوقف عن الحديث عن اليوم التالي للحرب، وانشاء إدارة مدنية من السكان المحليين في محافظات غزة. لأن أمر الشعب الفلسطيني محصور في قيادة منظمة التحرير وحدها. كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب.


وفي السياق الكف عن فرض الاملاءات والتدخل في الشؤون الداخلية للنظام السياسي الفلسطيني بذريعة الإصلاح، فالأجدر أن تصلح الإدارة الأميركية بيتها الداخلي، وتحارب الفساد المتورط فيه النخب الأميركية كافة بدءًا من الإدارة مرورًا بالهيئات التشريعية والنخب السياسية المسكونة بالرشوة والمتخمة بقضايا الفساد. 
وأما عن مواقف نتنياهو وأركان حكومته الفاشيين من رفضهم لإقامة الدولة الفلسطينية، فهذا ليس جديدًا، ولا يضير الشعب الفلسطيني بشيء. لأنه لا يوجد حتى الآن شريك إسرائيلي حقيقي مستعد لصنع السلام، ولكن في حال استخدمت الولايات المتحدة نفوذها، وتراجعت عن ربط تحقيق عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية بالانتخابات الأميركية، وأطلقت يد الشرعية الدولية لملاحقة الدولة العبرية وقادتها أمام المحاكم الأممية وعلى راسها محكمة العدل الدولية، فإن قادة إسرائيل سيخضعون لمشيئة الإرادة الأممية. وهذا ما لن يكون. لأن صناع القرار الاميركيين، هم أصحاب المشروع الإسرائيلي، وهم من يوكلوا له ممارسة البلطجة والقتل بالضوء الأخضر لاستباحة دماء وحقوق الشعب الفلسطيني.