بقلم: سامي أبو سالم

قضى مئات المواطنين ليلتهم في البرد وتحت المطر بانتظار دورهم على باب مطحنة بدائية في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، لطحن أكياس القمح التي اشتروها بعد عناء إثر شح الدقيق في القطاع.

انشغل المواطنون في تغطية أكياس القمح بقطع من النايلون لحمايتها من البلل، لكن هذا لم يحمها من الأسفل حيث جرت سيول من الأمطار والوحل.

ويلجأ المواطنون لشراء القمح وطحنه بعد شح الدقيق في قطاع غزة بسبب إغلاق قوات الاحتلال للمعابر ومنع دخول الطعام والغذاء والوقود.

يتدافع مواطنون على مدخل المحطة وتعلو أصواتهم لحجز مكان في طابورين طويلين على يمين ويسار المطحنة "القديمة"، المتوقفة منذ يومين بسبب نفاذ الوقود.

وسط هذا التدافع يعلو صوت صاحب المطحنة "أبو مزيد" ويقول: إنه لن يشغل المطحنة لأنه لا يوجد وقود لها، وأكد أنه في حال توفر الوقود فسيتم تشغيلها، إلا أن المواطنين متمترسون في أماكنهم على أمل أن يتوفر الوقود في أي لحظة.

في اليوم التالي وفرت البلدية بعضا من الوقود فدارت الطاحونة بضع سويعات وتوقفت، بانتظار الوقود من جديد.

ويشهد قطاع غزة شحًا في الوقود بسبب منع الاحتلال تدفقه عبر المعابر بجانب منع الطعام والكهرباء والماء منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وشهد القطاع إدخال بعض من البضائع والوقود بكميات شحيحة خلال أسبوع من تهدئة إنسانية الشهر الماضي، ويدخل معظمها لمؤسسات دولية وإغاثية فقط.

وقال وائل حرب، والد 6 أطفال:  إنه مضطر للاصطفاف في طابور المطحنة تحت المطر لأنه لا خيار آخر، لا يوجد خبز لدينا وانتهى الدقيق والأولاد جياع، لا خيار سوى الانتظار سواء مطر أو قصف.

وأشار حرب إلى أنه اشترى 30 كغم من القمح بمبلغ 80 شيقل لأنه لم يجد الطحين في السوق.

وارتفعت أسعار القمح بسبب زيادة الطلب، فكان كل كيس (50 كغم) يباع بـ 80 شيقل لكن بات الآن بمبلغ 160، وهذا نموذج لارتفاع الأسعار الجنوني الذي يشهده قطاع غزة، فكان كيس الدقيق (25 كغم) بمبلغ زهاء 40 شيقل لكن الآن يباع بمبلغ 600 شيقل على الأقل.

وينتشر بعض الباعة والمزارعون حول المطحنة يعرضون ما لديهم من قمح، يغرس بعض المشترين أيديهم في الأكياس لتفحص ما اذا انتابته بعض الرطوبة بسبب المطر، لكن في النهاية يشترون.

نسوة وقفن جانبا خلقن طابورا خاصا بالنساء، إحداهن تغطي وجهها بخمار قالت: إنها تنتظر لوحدها لأن زوجها توفاه الله منذ سنوات، منوهة إلى أنها لن تتزحزح من مكانها حتى لو أمطرت صواريخ، أولادي جياع، إن لم يموتوا من القصف فسيموتون جوعًا، وهذا القمح تبرع لي به رجل مقتدر.

وأشارت إلى أنها تقيم في مدرسة مع آلاف النازحين في مخيم المغازي. "استلمت كيسًا من الأونروا قبل حوالي شهر لكنه نفد، ولا أستطيع شراء خبز ولا بسكويت."

وتوزع وكالة غوث اللاجئين دقيقا على المواطنين لكنها غير كافية وبطيئة وفقا لمواطنين.

وقالت أم خالد: إن عدد عائلتها 5 أفراد وبالتالي نصيبها يفترض كيس واحد، ولم يأت دورها الذي تنتظره منذ زهاء شهر، "الكمية غير كافية وبطيئة ولا أستطيع الانتظار".

ولم يسطع المواطنون شراء الخبز لأن طائرات الاحتلال الحربية دمرت غالبية المخابز في قطاع غزة من ضمنها المخبز الوحيد في مخيم المغازي.

ويقف رجل وصف نفسه بالمقتدر، وقال: إن الجوع مذل، "لدي مال لأشتري خبزًا، لكن لا خبز في السوق أو طحين، لكن الناس يرفضوا البيع لأنهم جياع، أنا لست متسولاً، لدي مال وأطفالي صغار لا يستطيعون الوقف هنا.

في الجهة الشرقية للمطحنة، قصفت طائرات الاحتلال منزلا في المخيم (ظهر الاثنين)، الدخان الأسود تصاعد في السماء، سيارات الإسعاف ومواطنون ينقلون شهداء ومصابين، المصطفون على جانبي المطحنة لم يتزحزحوا ولم يغادروا أماكنهم.