بقلم: سامي أبو سالم

في إحدى باحات مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح وسط قطاع غزة، يستلقي المسعف أحمد أبو خضير على سريره محاولاً التقاط قليل من الهواء النقي، بعد اصابته قبل أكثر من شهر جراء قصف إسرائيلي استهدف فريقًا للدفاع المدني خلال محاولتهم انتشال عائلة فلسطينية من تحت الأنقاض.

لم تميز قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها المعلنة والمستمرة على قطاع غزة بين رجل وامرأة أو طفل أو رجل إسعاف أو دفاع مدني أو موظف يعمل في مؤسسة حقوقية أو إنسانية محلية أو دولية أو إغاثية، فكل شيء في مرمى النار.

يقول أبو خضير: إن قوات الاحتلال تستهدف فرق الدفاع المدني والإسعاف بشكل متعمد وبلا أي رادع، وارتفع عدد شهدائهم إلى 26 شهيدًا على الأقل.

كما واستشهد ثلاثة من رجال الدفاع المدني وأصيب عدد آخر جراء قصف في حي التفاح بمدينة غزة، كما أصيب أمس عنصري دفاع مدني في قصف على مخيم المغازي، وسط القطاع.

وأشار أبو خضير إلى أنه أصيب خلال عمله عندما توجه لمنزل يعود لعائلة الحلو غرب مفرق الشهداء جنوب غزة بعد تعرضه لضربة جوية فانتشلوا ثلاثة شهداء وعدة جرحى ثم تعرض البيت للقصف مرة ثانية وثالثة، بعد أن قصف البيت مرة أخرى ما أدى إلى إصابتي في الرأس والساق، وأصيب ثلاثة من زملائي أيضًا.

وتابع قائلاً: "بالعادة ننقذ ما نستطيع إنقاذه، ونفتش في المنازل المجاورة خوفًا من أن تكون إحدى الضحايا قد طارت بفعل ضغط الصواريخ، صعدت لسطح أحد البيوت المجاورة أفتش فتعرضنا لصاروخين آخرين".

ويُذكر أن المسعف أبو خضير قد زحف، وهو مصاب، ليطمئن على زملائه إلى الطابق الأرضي لكنه تعب فانتظر حتى جاء شبان وحملوه.

وأضاف أبو خضير: إن قوات الاحتلال بالعادة لا تعرف خطوطًا حمراء في عدوانها، لكن الحرب هذه المرة  أكثر عدوانًا وضراوة من سابقاتها، وقتلوا 7 من زملائي من قبل، لذا فالخوف وارد لكن هذا عملنا ونحن محميون بإرادة الله وبالقانون الدولي الذي لا تلتزم به إسرائيل.

ومن الفوارق التي يلاحظها قال: أنه يعتقد أن الاحتلال يريد إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف المواطنين، فيذكر أن هناك منازل تعرضت للقصف أكثر من مرة.

ويذكر أمثلة على ذلك عائلة حلاسة جميعهم نساء وأطفال وأطباء، وكذلك منزل آل جودة وعائلة العروقي زهاء 100 مواطن.

وأشار أبو خضير إلى أن الفرق تعمل وفق القانون وأرقام سيارات الإنقاذ والدفاع المدني معروفة لدى الاحتلال ويعرفون أين نتحرك، ما يعني أن إصابة الدفاع المدني والاسعاف يكون غالبًا بشكل مقصود.

ومن معيقات العمل قال: إن أهم معيق هو شح معدات الإنقاذ من سيارات وبلدوزرات ومعدات انتشال قطع الخرسانة الضخمة وأجهزة إلكترونية تحدد أماكن الضحايا وأجهزة كثيرة مفقودة يمنع الاحتلال دخولها، نحن بشكل فعلي نعمل بالطاقة البشرية فقط، فلا معدات، ولا نقبل مواطنين متطوعين باستثناء رجال الإنقاذ المتقاعدين نقبلهم كمتطوعين.

وقالت وزارة الصحة: إن زهاء 7 آلاف  مواطن لا يزالون في عداد المفقودين وغالبيتهم تحت الأنقاض ولا تستطيع فرق الإنقاذ انتشالهم أو انقاذهم بسبب شح المعدات.

ومن المواقف القاسية التي يذكرها أبو خضير الذي كان يعمل أحيانًا 24 ساعة بشكل متواصل، كان هناك استهداف منتصف الليل قرب محطة غاز في قرية القرارة جنوب القطاع، توجت للمكان ولم أجد ضحايا، ثم سمعت أنينا توجت نحو الصوت وكان الاستهداف لمصنع ألبان، حفرت بين الركام فوجدت ساقين عالقتين حررتهمافكانتا لفتاة اسمها عائشة دلول، 12 عامًا، وأخبرته أن عائلتها تحت الركام وعددهم 9 وأن هناك عائلات أخرى بينهم 9 أطفال صغار جدًا.

غادر أبو خضير مصنع الألبان وقلبه مليء بالحسرة والحزن والألم لأنه لم يستطع إنقاذهم ولم يستطع أن يفعل لهم شيئًا بسبب شح المعدات، حتى الآن كلما أذكرها أشعر بالألم والحسرة رغم أنه لم يكن لدي شيء أفعله، ومن أقسى اللحظات أن تغادر مكانًا وأنت تعرف أن هناك مواطنين تحت الركام لكنك لا تستطيع أن تفعل لهم شيئًا ومنهم أحياء سيموتون لاحقًا غالبًا.

ولم يخف أبو خضير أن هناك لحظات "فرح وحلاوة وفخر" يمر بها عندما ينقذ شخصًا ما من الموت، هذا شعور رائع.

وقال ابنه حسين، 32 عامًا، الذي يرافقه في المستشفى: أنه والعائلة يشعرون بالقلق على أبيهم بعد سماع كل إنفجار أو عند سماع صوت الإسعاف.