بناء الإنسان واﻻرتقاء بالمجتمع الإنساني، وتثبيت مبدأ الحق في الحياة الكريمة الحرة العزيزة، نعتقد أنها أنبل أشكال العمل الوطني، لأن من شأنها ترسيخ جذور الهوية الثقافية الوطنية الحضارية الإنسانية، وتعزيز الرابط اﻷزلي ما بين اﻷرض وإنسانها، بالعلم والمعرفة والثقافة والفكر واﻷدب، فهذه جميعها بمثابة جدار الحماية الأقوى للأوطان وبدونها فإن التضحيات باﻷرواح والدماء والجراح واﻷموال قد تذهب سدى ما لم يكن إنسان اﻷرض– المواطن– مسلحا بالعلم، وما لم ترفع قواعد مؤسسات التعليم كمنارات تضيء بإشعاع مناهجها المتقدمة كل ركن وزاوية في الوطن، وما لم نمضِ بعملية تحرير الإنسان بالتوازي مع عملية تحرير الأرض.
كتبنا سابقا عن مؤسسات وطنية هدفها اﻻرتقاء بالمستوى العلمي واﻷكاديمي للإنسان الفلسطيني، وضربنا مثلا على ذلك مؤسسة محمود عباس المعنية بتقديم ما يلزم لكل مستحق ناجح، طامح باستكمال مسيرة التعلم العالي، أما اليوم فإننا إذا فخرنا بجمعية صندوق دعم الطالب الفلسطيني التي تأسست عام 2017 ومقرها شيكاغو (الولايات المتحدة اﻷميركية)، حيث التقى على مبادئ تأسيسها وأهدافها رجال أعمال ومهندسون ومحامون فلسطينيون مقيمون في شيكاغو.
اﻷساس اﻷعظم لفكرة الجمعية: أن الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، إذا أرادوا بإمكانهم تكفل أنفسهم بأنفسهم دون طلب العون من اﻵخرين، ما يعين أن النبلاء الذي تنادوا لتجسيدها مؤمنون بقدرة الشعب الفلسطيني على المضي في مسار توكيد هويته الحضارية وبلوغ محطة التحرر والحرية واﻻستقلال والدولة باﻻعتماد أوﻻ على موارده، وتجسيد قيم التكافل والتعاضد والإخاء بما يتجاوز النظري الشاعري إلى التطبيق العملي الفعلي، وقد حدثني الصديق صالح الساحوري عن أهداف النبلاء تحت سقف هذا الصرح الفلسطيني فقال: إن هدفنا مساندة شعبنا وأبنائنا، وتعزيز تجذرهم وبقائهم وصمودهم لمواجهة الأوضاع الصعبة في الوطن، عبر دعم التعلم والتعليم باعتبارهما ركيزة البناء المتين للمجتمعات، أما الهدف اﻵخر، وهو ما نقصده في هذا المقال، فهو نشر فكرة التكافل بين أبناء الوطن والشعب الواحد.
تدعم الجمعة 1100 طالب من الجنسين لدراسة الطب وطب الأسنان وهندسة الاتصالات والهندسة المدنية والمعمارية والبرمجة والسمع والنطق والقبالة والترجمة وهندسة الكمبيوتر والبرمجة والترجمة، كما قررت الجمعية برنامجا جديدا لدعم أصحاب الهمم، في جامعات الوطن الفلسطينية، إلى جانب دعم حوالي 90 طالبا في جامعة حيفا.
تنظم الجمعية مؤتمرًا سنويًا في شيكاغو لحشد الدعم المالي وتعميم الفكرة على الجالية الفلسطينية، ولتأكيد ارتباطها العضوي بالوطن تنظم مهرجانا سنويا في إحدى جامعات الوطن حيث كانت نقطة البداية من جامعة القدس في عاصمة فلسطين المحتلة.
نجحت الجمعية في اتباع سياسة وطنية خالصة، واتبعت سياسة الاستقلالية المالية عبر توفيرها من تبرعات الحالية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأميركية، واستطاعت عبر تكريس مبدأ الانتماء للوطن منع أي انعكاسات سياسية على عمل مجلس إدارتها المكون من 12 عضوًا.
سجل شهادة فخر وتقدير في هذا المقام للجمعية ولكل مؤسسة اتخذت تنمية الإنسان هدفا وعملت بإخلاص للارتقاء به إلى أحسن مسارات الحياة، فالشعوب والأمم تقدر الإبداعات العلمية والأدبية والفنية، أما أن يكون المرء مبدعا في هذه المسارات في ظل احتلال وظلم وعنصرية، فهذا أعظم انتصار للحق الفلسطيني من نبلاء اضطرتهم الظروف للهجرة من وطنهم لكن الوطن وإنسانه لم يهجر عقولهم وأخلاقهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها