لم تعد القضية الفلسطينية من على منبر الأمم المتحدة، قضية خطاب سياسي تضامني، ومتعاطف مع أصحابها، بقدر ما باتت قضية الضرورة الأخلاقية، والسياسية حتى في جوانبها البراغماتية، التي يحقق الامتثال لها، الأمن، والاستقرار، والازدهار في الشرق الأوسط، بكون الحل العادل للقضية الفلسطينية، وحده الكفيل بتحقيق ذلك.
لقد باتت هذه الحقيقة واضحة تمام الوضوح، بكلمات زعماء وقادة معظم الدول الأعضاء في المنظمة الأممية، كلمات لم تعد تدين وتستنكر، بقدر ما أصبحت تشدد على ضرورة السعي لتحقيق الحل العادل للقضية الفلسطينية، كي تحظى المنطقة العربية، بمحيطها الإقليمي، بالأمن والاستقرار. ووفقا لكلمة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، من على منبر الجمعية العامة الأمم المتحدة، في دورتها الحالية، فإن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في الشرق الأوسط، ودون حلها فإنه "لا يمكن لأي بناء للأمن والتنمية الإقليميين أن تثبت أساساته فوق الرماد المحترق للصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وطبقًا لكلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإن إسرائيل لن تنعم بالسلام والاستقرار دون دولة فلسطينية حرة مستقلة على حدود عام 67.
وفي هذا السياق، وبمثل هذه التعابير، في المعنى، والغاية، والتطلع، كانت كلمات الأمين العام للأمم المتحدة، والرئيس الأميركي، والرئيس البرازيلي، وأمير دولة قطر، والرئيس الكولومبي، والرئيس الكوبي، ورئيس جمهورية جنوب أفريقيا، والرئيس الغواتيمالي. وهذه هي مجمل الكلمات التي ألقيت يوم أمس الأول في افتتاح أعمال الدورة الثامنة والسبعين، للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ستعقبها كلمات أخرى، لا نشك أنها ستكون في هذا السياق، أما كلمة سيادة الرئيس أبو مازن التي ستكون هذه الليلة، فإنها الكلمة التي تضع عادة النقاط على حروفها، وهي تدعو لتفعيل قرارات الشرعية الدولية، في سبيل إقرار الحق، وتحقيق العدل، وإقامة السلام الدائم بدولة فلسطين الحرة المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، ضمانة الأمن، والاستقرار، والازدهار في هذا الشرق الملتهب بالصراعات العنيفة.
ولن تكون كلمة سيادة الرئيس أبو مازن غير كلمة الرواية الفلسطينية، لا بجراحها، ومعاناة أهلها فقط، وإنما كذلك وأساسا، بنزاهتها، وشفافيتها، ومصداقيتها، وتطلعاتها العادلة والمشروعة والإنسانية. فلطالما هي رواية الحق، التي لا باطل فيها، ولا تتجنى على أحد في سرد وقائع مظلمتها، وتسمية مرتكبيها، ولا بأي شكل من الأشكال.
أجل لم تعد القضية الفلسطينية، قضية خطاب تضامني، وفي هذا الإطار لم يعد التطبيع مع عواصم الإقليم العربي المركزية، ممكنًا، والمملكة العربية السعودية أوقفت بكلمات لا لبس فيها، أحاديث التطبيع مع إسرائيل، وراعيتها الولايات المتحدة، لأنه ومثلما أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان "لا حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون دولة فلسطينية مستقلة" وبمعنى لا تطبيع في المحصلة دون ذلك.
ستعاند إسرائيل كل هذا الواقع بطبيعة حالها، غير أن هذا هو عناد الحمق العنصري، الذي وإن كان سيثقل واقع الصراع بالمزيد من العنف والضحايا، إلا إنه لن ينتهي إلى غير الهزيمة، والتاريخ أخبرنا أن هذا هو مصير الحمق العنصري، كيفما كان، وفي أي زمن كان، أو سيكون.
نقول ذلك ونؤكده كي نعرف جيدًا ما الذي علينا أن نعمل وكيف ينبغي أن نتوحد تماما لمواجهة هذا الحمق لهزيمته من جهة، ولكي نثق عميقًا من جهة أخرى، أننا، في الطريق السياسية، والدبلوماسية الصحيحة والمثمرة ماضون، طالما أوردنا قضيتنا هذا المورد، في خطاب المجتمع الدولي، كخطاب بات يرى بمنتهى الوضح، أنه لا أمن ولا استقرار ولا ازدهار، دون حل عادل للقضية الفلسطينية، قضية الشرق الأوسط المركزية، وهي التي كانت وستبقى قضية العرب الأولى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها