حينما باشرت بكتابة القصة القصيرة قبل ستة عقود اخترت أن أسبح عكس التيار، وأن أغرد خارج السرب، وأن أحارب بلا هوادة الفقر والظلم والتمييز العرقي والتخلف العربي.
ربما كنت طموحًا فوق العادة وبخاصة بعدما سمعت زغرودة تنطلق من فم امرأة ترتدي زيًا فلسطينيًا، وشاهدت فتى يحمل باقة ورد ملونة، ورأيت فلاحًا يحصد القمح النورسي بمنجله ويمامة تحمل بمنقارها غصن زيتون أخضر.
اجتهدت منذ نبت الزغب فوق شفتي العليا لأبقى إنسانًا، أعتقد أنها مهمة صعبة أن يكون المرء إنسانًا في هذا الزمان وفي هذه البلاد، فلا عجب أنني أصلي صباح مساء كي أبقى إنسانًا، اللهم ساعدني كي أحافظ على الإنسان الذي في داخلي.
دفعت ثمنًا غاليًا في حربي ضد قوى الظلام ولا أعتذر عما كتبت، ولو بدأت الكتابة من جديد لحاربت الحكم العسكري والسلطات الإسرائيلية الجائرة والرجعية والخفافيش ومصاصي دم الفقراء، والاحتلال الوحشي الذي طال.
الأدب، قصة ورواية وقصيدة ومسرحية، خير سفير وأنجح رسول بين الشعوب، فقد عرفت شعوب أميركا اللاتينية من روايات أدبائها وقصائد شعرائها كما عرفت الشعب الروسي والشعب الإيطالي والشعب الفرنسي والشعب الإسباني والشعب الياباني من الأعمال الأدبية الرائعة التي كتبها أدباؤهم.
احترمت وقدرت ترجمة الأعمال الأدبية والفكرية منذ خصص لها المأمون خليفة رسول الله وابن الحضارة العربية الإنسانية المال والمكان والزمان.
يفرح الأديب بزيادة عدد قرائه وبترجمة نتاجه الى اللغات العالمية ولا أكشف سرًا إذا كتبت أنني فرحت بترجمة قصصي إلى لغات عديدة ورغبت بترجمتها إلى اللغة العبرية كي يعرف جاري اليهودي الإسرائيلي آمال شعبي وأوجاعه وطموحاته. أريد أن يعرف الجار من تل أبيب وحيفا ونتانيا وكريات شمونة وديمونا الإنسان الفلسطيني من روايات غسان كنفاني واميل حبيبي وأشعار محمود درويش وفدوى طوقان ومعين بسيسو وسميح القاسم ومن قصص سميرة عزام ومحمد علي طه وليس من الإعلام الإسرائيلي الذي يقدم له العربي القاتل القبيح، كما أرغب أن يعرف الفلسطيني جاره من روايات عاموس عوز وسامي ميخائيل وأشعار يهودا عميحاي وليس من بنادق جنود الاحتلال وسفالة المستوطنين وزعرنة شبان التلال.
لا ديموقراطية في هذه البلاد مع الاحتلال بل أبرتهايد. ولا سلام ولا تعايش مع الاستيطان والاحتلال بل مقاومة شعبية حتى زواله.
نحن نعيش في هذه الأيام في مدننا وقرانا فترة قاسية من العنف والقتل والخاوة ولعلعة الرصاص وأتساءل: هل الدولة التي استولت على خرائط المفاعل الذري في إيران ونقلتها من قلب العاصمة طهران إلى إسرائيل عاجزة عن جمع السلاح من أيدي القتلة في مدننا وقرانا؟ كما أتساءل لماذا عندما يقتل فلسطيني مستوطنًا تعتقله قوات الأمن خلال أيام قليلة بينما قوات الشرطة الإسرائيلية لم تلق القبض سوى على أقل من 10 مجرمين من الذين قتلوا 175 إنسانًا عربيًا مواطنًا في إسرائيل في ثمانية أشهر وبضعة أيام؟
نحن نحب الحياة ونحب هذا الوطن الجميل وقد آن الأوان كي نحترم بعضنا البعض ونعيش بسلام في هذا الوطن الغالي في دولتين متجاورتين وتكون القدس عاصمة لكليهما.
آن الأوان أن نسمع معا أغاني أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ وعفرا حازا ويزهار كوهين وأريك أينشتاين.
ملاحظة: فقرات من نص الكلمة التي ألقاها الأديب في معهد فان لير مساء 12 أيلول في القدس في الاحتفال بإشهار مجموعته القصصية "وزارة المسخوطين" المترجمة الى العبرية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها