الحارث الحصني

"في المكان الذي أزرعه، تلك هي حدودي"، أو "أينما يصل محراثك حدودك"، جملتان كتبتا باللغة العبرية على قميص ارتداه أحد المستوطنين ممن ينتمون لمنظمات "التلال" الإرهابية، كلتا الجملتين تعطي المعنى ذاته.

أراد هذا المستوطن أن يوصل رسالة واضحة نيابة عن مجموعة من المستوطنين عرفت بالتطرف، فــ"منظمات التلال" الذين أصبحت سيرتهم رائجة بشكل لافت بين الرعاة الفلسطينيين، يهدفون بالأساس إلى طردهم من مراعيهم، والاستيلاء عليها.

والعبارة التي كتبت باللغة العبرية على قميص أحد عناصرها، تعطي انطباعًا واضحًا عن نية هذه المجموعة الشرسة في الضفة الغربية.

و"منظمات التلال" الإرهابية التي ظهرت عقب النداء الشهير الذي أطلقه وزير الطاقة في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى أرئيل شارون لمعارضته مسار التسوية، انتشرت في مجموعات صغيرة تسكن في بؤر استيطانية في مبانٍ منفـردة ضمن مناطق مفتوحة، ويحمل أفرادها أفكارًا توراتية متطرفة.

وقبل أن يرتدي مستوطنو "منظمات التلال" هذه الملابس التي كتب عليها عبارات واضحة للاستيلاء على الأراضي، كانت أفعالهم سبقتهم بنيتهم تجاه الشريط الشرقي للضفة الغربية، وهو مكان خصب للزراعة والرعي.

تسعى هذه المجموعة من المستوطنين إلى الاستيلاء على أكبر قدر من مساحة الأراضي الرعوية، إذ ترتبط "منظمة التلال" بالدرجة الأولى بمفهوم "الاستيطان الرعوي".

ولأنها واحدة من أكثر مناطق الضفة الغربية تضم مساحات من الأراضي الرعوية، هذا يفسر انتشار "منظمات التلال" في جماعات صغيرة بشكل لافت على قمم الجبال في الأغوار الشمالية.

عندما كان شارون وزيرًا في حكومة نتنياهو الأولى، وجه نداءً إلى الفتية والشباب المستوطنين لاحتلال أعالي الجبال والتلال في الضفة، قائلًا لهم: "إن ما نضع أيدينا عليه اليوم سيبقى لنا، وما لا نضع أيدينا عليه، سيذهب للفلسطينيين".

هذه الأيام، تُسجل معظم حالات الاعتداء على الفلسطينيين أثناء رعيهم على قمم الجبال، وسفوحها.

ويظهر مقطع فيديو نشر عبر مجموعات حقوقية في تطبيق "الواتساب"، اعتداء مجموعة من "منظمات التلال"، على أحد الرعاة، الذي أجبره الاحتلال على ترك الأرض بعد دقائق من حضوره المكان.

في بحث أعدته الباحثة هدى خالد مباركة بعنوان: "الاستيطان الرعوي: شكل جديد من أشكال الاستيطان الاستعماري في منطقة الأغوار"، قالت فيه: "يتجسد نموذج الاستيطان الرعوي الذي يقوده بشكل أساسي تنظيم (شبيبة التلال) في خلق علاقة مع الأرض المستعمرة عبر العودة إلى نمط الحياة القديم القائم على العزلة والحياة الأقرب إلى البداوة والترحال ورعي الأغنام وفلاحة الأرض مع التزهد والتقشف في وسائل العيش".

إن معرفة ماهية سلوكهم عن قرب يحتاج لتضحية كبيرة، أن تكون تحت نيران جحيمهم.

قال يوسف بشارات: وهو شاب يسكن خلة مكحول بالأغوار الشمالية، وقد اعترضه مستوطنون من "منظمات التلال" الإرهابية صباحا: "مظاهرهم مؤذية، وملابسهم رديئة كأنهم لم يستحموا منذ شهرين، يبدو أنهم من زمن غابر، أشعر بالاشمئزاز حين أقترب منهم".

يؤكد ذلك المتضامن الإسرائيلي آفي شاي: "لباسهم بالمجمل فوضوي، لكن أحياناً يرتدون ملابس تشبه ملابس الفلسطينيين أثناء رعيهم مواشيهم".

وأضاف: "يريدون جعل حياة الفلسطينيين صعبة".

في البحث الذي أعدته مباركة يتضح أن نية المستوطنين الاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين المحيطة بالمستوطنات، وهذه الأراضي تحيط بتجمعات الفلسطينيين السكانية، وفيها يقومون برعي قطعان ماشيتهم منذ عشرات السنين.

حاليًا، بدأت الدعوة التي أطلقها شارون قبل سنوات، تؤتي أكلها، ففي الأرقام بلغ عدد البؤر الاستيطانية التي تعد مسكنًا لهذه الفئة من المستوطنين في الأغوار الشمالية، في العشر سنوات الأخيرة 7 بؤر.

وليس غريبًا أن الأرقام تتحدث عن سبع بؤر استيطانية رعوية أقامها أفراد "منظمات التلال" في الأغوار الشمالية، وهو ما يبين دون شك أن هذه الفئة باتت تبسط ذراعيها على قمم سلاسل الجبال في الشريط الشرقي للضفة الغربية.

يقود "منظمات التلال" الإرهابية شخصيات صهيونية متطرفة أبرزها: (آبري ران، ومائير برتلر، وإيتي زار)، ويعمل معظم أفراد هذه المجموعات في مهنة رعي الأغنام أو الزراعة، ولا يجمعهم حزب منظم بقدر ما يجمعهم العداء الشديد للفلسطينيين، وبعض الأفكار اليمينية المتطرفة.

وخلال سنوات الماضية كان أفراد "منظمات التلال" يلقون جحيمهم على الرعاة الفلسطينيين، يمكن ملاحظة ذلك من خلال الأخبار المتواترة بشكل شبه يومي عن اعتداءات المستوطنين بحق الرعاة الفلسطينيين.

يقول بشارات: "صباحًا جاءني أربعة مستوطنين وبدأوا بالصراخ لأترك المراعي".