قررت الحكومة الأسترالية البدء باستخدام مصطلح: "الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، واعتبار المستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي"، القرار أعلنته وزيرة الخارجية بيني وونغ من على منصة البرلمان الأسترالي، علما أن الحزب الحاكم في البلاد كان قد طلب من الحكومة الاعتراف بدولة فلسطين دون تأخير أو تردد، والسؤال الآن: هل بإمكاننا اعتبار القرار الأسترالي إرهاصا لتحول ما في موقفي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وهل سيدعم هذا القرار جهود القيادة الفلسطينية لدى محكمة العدل الدولية لاستصدار فتوى حول ماهية الاحتلال الأسرائيلي لأراضي دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران منذ حرب 1967، فأستراليا كما نعلم ما زالت تحت التاج البريطاني، ولم تتميز بمواقف مغايرة أو مخالفة لنهج الإدارة الأميركية تجاه القضايا الدولية، ومنها أو على رأسها قضية الحق الفلسطيني.
تكمن أهمية قرار الحكومة الأسترالية في تزامنه مع إصرار حكومة منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية (إسرائيل) على تنفيذ خطط جاهزة لضم مناطق من الضفة الفلسطينية المحتلة، بعد ضم القدس، في مخالفة ومواجهة صريحة ليس مع القانون الدولي وحسب، بل مع الإدارة الأميركية التي لم ترقَ إلى مستوى احترام مواقفها المعلنة، وتغض الطرف عن إصرار حكومة منظومة الاحتلال الفاشية على احتقار الشرعية والقانون الدوليين،، فهذه الحكومة وسابقاتها المتتالية لا تقيم وزنا، ولا تحترم إرادة شعوب وأحزاب وحكومات في العالم تربطها معها علاقات مميزة، فرؤوس المنظومة يقطعون الصلة مع الديمقراطية، عندما يتعلق الأمر بقرارات برلمانات في دول كبرى وهامة في قارات العالم، طالبت حكوماتها بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 بما فيها القدس الشرقية، ودعت حكوماتها لتنفيذ القرارات، والمثال أمامنا حزب العمال الأسترالي الحاكم في البلاد الذي نأمل ألا يكون التوجه النوعي الذي أعلنته وزيرة الخارجية، مجرد صدى صوت لقرارات الحزب الحاكم، لأن الموقف الحقيقي والصحيح المجسد لقرارات نابعة من إرادة الحزب الحاكم الشعبية لا يقل عن الاعتراف بدولة فلسطين المعترف بحدودها في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودعم فلسطين ومساندة الحق الفلسطيني في المحافل الدولية، وغير ذلك فإن الأمر بالنسبة لنا على أهميته لا يتجاوز التعبير الكلامي الهلامي، كما تفعل الإدارة الأميركية مثلا، التي ما زالت أفعالها حتى اللحظة متناقضة مع تصريحات وبيانات وزارة الخارجية فيما يخص الموقف الأميركي من الاحتلال والاستيطان، وجرائم جيش ومستوطني منظومة الاحتلال الإسرائيلي،، حتى المواقف التي توصف بشديدة اللهجة، فإنها كفقاعات المياة الغازية الحارة، وبمعنى أوضح لا متابعة ولا محاسبة حثيثة كما تفعل مع حكومات ودول وأشخاص وجماعات يرتكبون جرائم تصنف في ذات خانة جرائم الحرب والإرهاب وضد الإنسانية والعنصرية التي يرتكبها ساسة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وجماعات المستوطنين وتنظيماتهم الإرهابية.
ما أعلنته وزيرة الخارجية الأسترالية بإمكاننا اعتباره إعلانا عن انخراط أستراليا في احترام قرارات الشرعية الدولية، التي تعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، فالمستعمرات -حسب نصوص القانون الدولي- تعتبر جرائم حرب، وتتحمل مسؤوليتها سلطة المنظومة القائمة بالاحتلال، لكن لا بد من الإشادة بشجاعة موقف الحكومة الأسترالية التي قررت انتهاج هذه السياسة، وبذات الوقت علينا دعم التواصل مع أركان الحزب الحاكم، والحكومة الأسترالية، والتأثير الوجداني وكذلك الإقناع بالمنطق والحقائق المادية والسياسية، المعززة بوقائع وشواهد تاريخية، ومواقف سياسية مستنبطة من مضامين القوانين الدولية، ومستندة إلى مئات من قرارات الشرعية الدولية الخاصة بفلسطين، لأننا إن لم نفعل، فإن اللوبيات الصهيونية ستعمل على كبح عجلة حزب العمال الأسترالي وحكومته، وعلى الأقل تجميد الموقف الأسترالي عند (سين المستقبلية) والاعتبار غير المبرهن عليه في القرارات الأممية، أو اللامؤكد في المحافل والمنظمات القانونية الأممية.
القرار الأسترالي إنجاز إيجابي واضح للدبلوماسية الفلسطينية، ولعلاقة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، مع الأحزاب والقوى الشعبية في العالم، علاقة يجب تخطيطها، وتطوير أدواتها ووسائلها، وتعميق التواصل السياسي المرتكز على منطلقات إنسانية، وحوار عقلاني، يحرك الضمائر، بغض النظر عن مشارب ومراجع الأحزاب النظرية والفكرية، خاصة أن دول العالم تعيش حركة سلمية في التداول على السلطة، ومن المهم بالنسبة لنا استطلاع قوة الأحزاب ومواقعها في مجتمعاتها، والعمل على بناء علاقات احترام لقيم وقوانين حقوق الإنسان والديمقراطية، والمناهضة للظلم والدكتاتورية، مع تأكيد وتعزيز علاقات فلسطين بقواها الوطنية، مع أحزاب وقوى في العالم تربطنا معها قواسم مشتركة، ومواقف ضد المنهج الاستعماري والاحتلال والاستيطان والإرهاب أيا كان مصدره.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها