باتت هناك إلحاحية للكتابة عن حالة الرهاب والفزع الاجتماعي التي انتشرت وتفشت في أوساط الجماهير الفلسطينية بعد تعاظم عمليات القتل الجبانة التي تنفذها عصابات المستعربين والمافيات وتجار الحشيش والمخدرات والعملاء أدوات أجهزة الامن الإسرائيلية، حيث بات المواطن الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة يتساءل كل لحظة وهو في البيت او في الشارع او مكان العمل او في سيارته: من هو الضحية القادمة؟ ولم يعد يأمن على نفسه، او على زوجته او أبنائه او اخواته او أبناء بلدته او قريته ومدينته، بسبب ارتفاع وزيادة عمليات القتل الهمجية، التي تقف خلفها دولة التطهير العرقي الإسرائيلية بشكل مجنون، حتى وصلت لليوم اكثر من 130 ضحية من بداية العام.


مضاعفة الموت والجريمة المنظمة، التي تنفذها أجهزة الامن الإسرائيلية في الوسط الفلسطيني العربي بقرار واضح وصريح من حكومات إسرائيل المتعاقبة وعلى رأسها حكومة الترويكا الفاشية، التي اطلقت يد كل ادواتها من عمليات القتل الرخيصة والجبانة لتحقيق هدف الطرد الطوعي للمواطنين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم وبلداتهم، او على الأقل دفعهم للعيش في حالة من الخوف والرهاب المرضي، وتعطيل دورة الاقتصاد في المدن الفلسطينية، وشل الحياة السياسية والثقافية الفنية والأكاديمية، وقتل المواطنين الفلسطينيين بداء الرهاب، الذي أدى لدخول المدن والبلدات الفلسطينية وخاصة في الناصرة وشفاعمرو وام الفحم وحيفا ويافا وعكا واللد والرملة وسخنين وغيرها لغياب الحياة الطبيعية، وهروب المواطنين الى بيوتهم، وكأن هذا الخيار سيحميهم من جرائم الفاشيين وعصاباتهم.


لكن هذا الخيار عمق ازمة الانسان الفلسطيني العربي داخل دولة الابرتهايد الصهيونية، وساعد الحكومة الفاشية وأجهزتها الأمنية على توسيع وتعميق عمليات القتل والاغتيال في أوساط الفلسطينيين، ومطاردتهم داخل بيوتهم، وفي أماكن عملهم، وحيثما ولوا وجوههم. لانهم عندما يلجأون الى خيار عدم المواجهة، والانهزام امام وحشية الجريمة الإسرائيلية، او الركون الى أكاذيب حكومة نتنياهو، ولجنتها الفرعية لمعالجة عمليات القتل في الوسط الفلسطيني العربي التي تشكلت بقيادة رئيس عصابة القتل والإرهاب، يتركهم لقمة سائغة لقتلهم واحدا خلف الآخر، وهي تتذرع بالاكاذيب والتقارير التضليلية، وتزوير الحقائق. لانها هي من يمول ويسلح ويطلق يد الجناة القتلة لاستباحة أبناء الشعب ويحميهم من الملاحقة والمطاردة والمحاكمة.


إذًا ما العمل؟ ما هو الحل الأمثل لمواجهة التحدي؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها الجماهير الفلسطينية داخل الداخل التحديات مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؟ وألم يواجهوا في اعقاب النكبة الحكم العسكري الجائر حتى عشية حرب حزيران / يونيو 1967؟ ما الذي جرى لينزوي أبناء الشعب داخل بيوتهم، ولا يفتحون ابوابهم وشبابيكهم للنور والشمس والامل والحياة؟ لماذا باتت تنام الناصرة كل ليلة يعتصرها الألم والخشية؟


الخوف والرهاب يولد المزيد من الخوف، ويساهم في تفشي الجريمة. لان هكذا خيارا يعزز الثقة في نفوس القتلة والمجرمين المستعربين. الامر الذي يحتم على قيادة لجنة المتابعة العربية العليا وأعضاء الكنيست العرب والقوى الحزبية والأكاديمية والثقافية الى التداعي لعقد مؤتمر وطني يضم كافة الأطر والشخصيات في المجتمع الفلسطيني لمناقشة القضايا التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، ووضع الحلول الواقعية والمسؤولة لمواجهة التحديات والأزمات داخل حدود المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل. وهذا ما ورد في كتاب الصديق ايمن عودة بعنوان "الوطنية والمواطنة" الصادر قبل أيام قليلة عن مكتبة كل شيء هذا العام (2023).


ولا اعرف الى أي مدى يمكن ان ينجح هكذا مؤتمر، لان حدود التباين والتناقض بين القوى السياسية الفلسطينية كبير، وبعضها من حيث يدري او لا يدري، واجزم انه يدري شريك في عملية التشرذم للنسيج الوطني الفلسطيني. كما ان العملاء وشركاء الحكومة وأجهزة الامن الإسرائيلية لن يسمحوا للمؤتمر بالانعقاد، وان تم انعقاده فسيضعون امامه كل العقبات التي تحول دون نجاحه.


إذًا وعلى أهمية فكرة المؤتمر الوطني العام، اعتقد ان مواجهة التحدي تبدأ بالإنسان الفرد، المطلوب منه هزيمة الرهاب، والوقوف بشجاعة امام عصابات الموت، وتوسيع الفكرة داخل حدود الاسرة والحي والقرية او البلدة والمدينة من خلال تشكيل لجان شعبية مسلحة بالعصي وتوثيق الجرائم، وتصوير المجرمين، والعمل على اعتقالهم وتسليمهم للشرطة لتعريتها، وفضح تواطئها مع تلك العصابات؛ ومحاصرة وعزل عملاء الشرطة وأجهزة الامن الإسرائيلية ونبذهم، ووضعهم تحت المجهر الشعبي والبلدي، وتعميم أسمائهم وصورهم على المجالس القطرية المختلفة، وتبادل المعلومات عن كل مرتبط بعصابات الموت؛ والتنسيق مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها بشأن أولئك المجرمين، الذين يمكن ان يلجأوا الى أراضي السلطة الفلسطينية ليكونوا تحت عين المراقبة؛ والتوجه لمجلس حقوق الانسان وللامم المتحدة لطرح عمليات القتل المنفلتة من عقالها في الوسط الفلسطيني العربي، وتحميل حكومة إسرائيل المسؤولية الكاملة عن ذلك. لانها لا تؤمن الحماية لحملة الجنسية الإسرائيلية، لا بل كونها الشريك والحامي للقتلة، ومطالبة المؤسسات الدولية باتخاذ ما يلزم لتجريم دولة إسرائيل، ويمكن للسلطة الفلسطينية وسفاراتها ومندوبيها المساعدة في هذا المجال؛ وحل ومعالجة المشاكل العائلية المتخاصمة في القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، وتشكيل لجنة اصلاح وطنية من مختلف مكونات الشعب بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا لتفكيك الصراعات العائلية والجهوية؛ وتعزيز الخطاب الوطني العام على حساب الخطاب العائلي والعشائري والجهوي؛ ومحاصرة الخطاب الديني التفتيتي والانقسامي، ولجم خطاب التحريض والفتنة  في أوساط الشعب؛ التصدي لحالة اللامبالاة والاستهتار في مواجهة التحدي، واستخدام العقل والإرادة الحرة والشجاعة والصلبة لمواجهة التحدي بتحدٍّ اكبر.


اخرجوا للنور والشمس والحرية، قاتلوهم بارادتكم الفولاذية، وبحكمة الحكماء والقادة المتنورين، وافتحوا نوافذكم وابوابكم. انتصروا على الهزيمة داخلكم، كما انتصرتم الف مرة خلال العقود السبعة الماضية.