لا أخطر ولا أشد فعالية على فرط وحدة أي شعب، أو تمزيق نسيجه الاجتماعي، وإنزال ثقافته من مرتبة الوطنية الإنسانية الحضارية إلى حضيض المفاهيم والتعاميم والتعاليم الفئوية، وتقديمها للناس على أنها تاج الدين، لكنها في الحقيقة مرصعة بأحجار تبدو مشعة ولامعة، لكنها لا كريمة ولا ثمينة، علاوة على أنها مصنعة خصوصًا لمستخدمي الدين لإغراء العامة البسطاء من الناس، وحشدهم بيسر وسهولة لسوقهم إلى معارك صبغوها بعناية بالقداسة، ليتمكنوا من تحقيق اهدافهم الدنيوية المادية السلطوية.

عندما يفشل الغزاة في إخضاع أي شعب وإذلاله، يستبدلون خطط حملاتهم العسكرية، وهجماتهم المباشرة، وينتقلون إلى الخطط الأخرى الأشد فتكًا، خاصة إذا كان لديهم ما يكفي من مستنبتات الأجهزة الاستخباراتية السامة، كانوا قد زرعوا بذرتها أو غرسوا فسائلها، لتكون أدواتهم في الخطة البديلة في اللحظة المناسبة، وإذا كان للجواسيس والعملاء المحترفين المستترين دور هام في خدمة العدو بتحديد نقاط قوة وضعف الجبهة الداخلية للشعب الذي ينتمون إليه صوريا، وإيصالها إلى العدو، فإن الخدمة الأعظم التي ينالها العدو مباشرة وفق مخططات سرية جدًا، أو يحظى بها نتيجة جهل واندفاع بلا وعي أو تفكير مع تيارات اصطناعية، متحركة بقوة دفع أموال ووسائل إعلام جماعات تستخدم الدين، وبميادين بيئة ومناخات سياسية هيئتها دول استعمارية لتمكن هذه التيارات من جرف قواعد وركائز الوطنية، التي إذا بقيت صامدة رغم ما يصيبها من أضرار جسيمة، فذلك يعني فشل الغزاة والعدو من تحقيق اهدافه الاستراتيجية.. أما ما يحدث لنا نحن الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مئة عام في سياق كفاحنا لانتزاع حقنا التاريخي، وتحرير أرضنا وشعبنا من هيمنة وسطوة الدول الاستعمارية والمنظمة الصهيونية  العنصرية، فنراه أشد خطورة مما عرفناه ونعرفه عن مناهج العدو لاختراق جبهة الشعب الفلسطيني الداخلية، ذلك أن هذه  الجماعات (المستخدمة للدين) لم تعد مجرد (قوات احتياط) تُستدعى عند اللزوم  وحسب، بل أصبحت بمثابة قوات مسلحة، أو غير ذلك حسب نوع وطبيعة ميدان المهمة المكلفة بها، تؤدي مهامًا مباشرة تتكامل مع مهام قوات الغزو والعدوان والاحتلال العسكرية الصهيونية، وتمنح ميليشيات جيش وحكومة المنظومة الفاشية (إسرائيل) فرصة ليس للاستراحة وحسب، بل لتقوم بالمهمة الأصعب التي عجز عن تحقيقها أركان جيش العدو، ومعهم مليشياتهم من المستوطنين الهمجيين الدمويين، وبوضوح ومباشرة دقيقين، فإن ما حدث وما يحدث وما سيحدث في باحات  الحرم القدسي وفي حرم المسجد الأقصى، هي هجمات (إخوانية) بالوكالة على الوطنية الفلسطينية، والمشروع الكفاحي النضالي التحرري والثقافي الوطني الفلسطيني، وعلى هوية الشعب الفلسطيني ووحدته الوطنية وقيادته السياسية المتمسكة بالحق التاريخي والثوابت الوطنية، حملة نراها ونقدرها باعتبارها الأخطر على وجودنا وقدرتنا على حماية مقدساتنا والحفاظ على هويتها العربية الفلسطينية، حملة منظمة ليست عشوائية او انفعالية كما يظن البعض، يستخدم فيها (جيش منظم) من الجماعات المستخدمة للدين (الإخوان المسلمين) وفرعهم في فلسطين، لا تختلف عن جماعات التطرف الصهيونية إلا ببعض التفاصيل المظهرية، لكن الجماعتين، بقيادة رأس صهيوني استعماري مدبر، هو الذي يمنح كل جماعة المهمة المتناسبة مع إمكانية تحقيق الأهداف المرسومة، فهجمات المستوطنين بحراسة جيش الاحتلال، استتبعت بهجمات من نوع آخر، تنخر جذع شجرة الشعب الفلسطيني، وآكلة ومهلكة لجذورها المقدسة، تبدأ ببث سموم الفرقة والتشرذم في الساحة الأقدس لدى الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية، فتضعفه إلى حد السقوط، من شدة التناحر والخلافات والانقسامات، ومن قوة ضغط الإرهاب النفسي والمادي الناتج عن ذلك لدى المؤمنين حقًا بوطنهم ومقدساتهم .

ما حدث منح العدو الثقة أكثر لاستبدال فعالية الجريمة التي ينفذها جيشه وميليشياته الهمجية، بفعالية أشد تأثيرًا علينا نحن الشعب الفلسطيني وعلى قيادته السياسية التي تعرضت لهجمات نعتقد إلى حد اليقين أنها مصممة في مختبرات الشاباك اللغوية، فالعدو يراقب بدقة، ويتحين الاشتباك المباشر بين الفلسطينيين في الحرم القدسي والمسجد الأقصى، ليفرض- تحت ما يسمى إجراءات أمنية التقسيم المكاني والزماني للأقصى– وهو الهدف الذي عجزت عن تحقيقه حكومة المستوطنين حتى اللحظة.

ما زلت على يقين بأن (توأمي الاخوان المسلمين والجماعات الصهيونية المتطرفة) يتبادلان الأدوار في الهجوم المبرمج المخطط سلفًا على وجود وهوية الشعب الفلسطيني، حتى إني لأرى هجمات المستوطنين اليهود مجرد أرهاصات لتقوية دعاية الإخوان المسلمين، ولتمكينهم من توثيق مؤامرتهم وتنفيذها، بأفظع عملية تمويه في تاريخ الصراعات، حيث يبدو الصراع دينيًا، وأنهم قادته كما أرهصوا لذلك في دعايتهم وادعاءاتهم وتعاميمهم، التي ثبت للقاصي والداني والمتقصي عن الحقائق، أنها نتاج دماغ استعماري واحد.

المصدر: الحياة الجديدة