تنفيذًا لقرار قمة الجزائر العربية مطلع نوفمبر 2022 عقد مؤتمر "القدس صمود وتنمية" أمس الأحد الموافق 12 فبراير الحالي (2023) في مقر جامعة الدول العربية بمشاركة فلسطينية وعربية وإسلامية وأممية رفيعة المستوى، وقف على رأسها كل من سيادة الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي والملك الأردني، عبد الله الثاني. 


جميع الكلمات التي ألقيت في المؤتمر بدءًا من الكلمة الافتتاحية للأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، مرورًا بكلمة رئيس المؤتمر سيادة الرئيس أبو مازن، والرئيس السيسي والملك عبدالله إلى الأمين العام للأمم المتحدة ووزراء خارجية الدول العربية المختلفة إلى آخر كلمة فيه، أكدت على أهمية ومركزية القضية الفلسطينية وفي القلب منها قضية القدس، عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية، وحوضها المقدس عمومًا والمسجد الأقصى خصوصًا، ورفض الجميع الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة التي هدفت، وتهدف لتغيير طابع وملامح الديمغرافيا والجغرافيا في المدينة، وتهويد حائط البراق، وادعاء ملكيته، رغم ما أقرته عام 1937 لجنة عصبة الأمم الدولية باعتراف حاخامات يهود، بأن الحائط ملكية خاصة وخالصة للمسلمين دون سواهم، ولا يوجد لاتباع الديانة اليهودية أي صلة به لا من قريب أو بعيد. فضلاً عن انتهاكها الخطير في فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى كمقدمة لتدميره، وإقامة ما يسمى الهيكل الثالث على أنقاضه، الذي لا أساس لوجوده في القدس الفلسطينية، والتأكيد على عدم المساس بالاستاتيكو القائم، وعدم التعرض أو الانقلاب على الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى. ومطالبة العالم بوقف كل جرائم الحرب الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في القدس خصوصًا؛ وباقي محافظات الدولة الفلسطينية عمومًا. 
ما حملته كلمات الرؤساء والملك والوزراء والامناء العامين وممثلي المنظمات والهيئات الإقليمية والاممية بالمعنى العام جيدة، وحتى البيان الختامي الذي تضمن التأكيد على 19 قرارًا تتعلق بالقدس وتعزيز صمود أبنائها من الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم الدينية والفكرية، ودعم تجذرهم في مدينتهم، مدينة السلام، بالإضافة للتركيز على الحل السياسي للمسألة الفلسطينية والابعاد القانونية، وإدانة جرائم الحرب لحكومات إسرائيل الفاشية، جميعها تصب في الاتجاه العام الصحيح والايجابي.. 


لكن هذه الكلمات الإيجابية، والتي جاءت امتدادًا لكلمات لا تقل إيجابية عنها في المؤتمرات والمنصات العربية والإسلامية والإقليمية والدولية السابقة، تحتاج إلى ترجمة فعلية، وليس لاعادة التأكيد على المؤكد، وتتطلب إقران تلك المواقف بالترجمة العملية على الأرض، وخاصة ما يتعلق منها بتقديم الدعم لصناديق القدس العديدة، التي تم تشكيلها شكليًا في القمم العربية والإسلامية المتعاقبة، لأحداث تنمية وصمود حقيقي لأبناء الشعب العربي الفلسطيني في زهرة المدائن، والتصدي لتغول الحكومات الصهيونية الفاشية المتعاقبة وقطعان المستعمرين ومنظماتها الاستيطانية، التي تقوم بالتعاون والتكامل مع أركان المؤسسات الحكومية والمجالس البلدية لتهويد ومصادرة أراضي المدينة المقدسة، والتي يمولها أباطرة الرأسماليين من اليهود الصهاينة، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي جميعها بشكل سخي لتحقيق هدف الحركة الصهيونية ودولتها المارقة والخارجة على القانون الاستراتيجي، وقتل وتبديد عملية السلام. 


كما لا تستقيم تلك الكلمات مع واقع الحال في بعض الدول العربية، التي قفزت عن مبادرة السلام العربية ومحدداتها الأربع، وعن قرارات الشرعية الدولية التي زادت عن الألف، وانساقت في متاهة التطبيع المجاني مع إسرائيل، واندفعت في خطوات متسارعة لتطبيع علاقاتها على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية العسكرية. وهنا يبرز السؤال، كيف يمكن دعم القدس وفلسطين وشعبها، وفي ذات الوقت توقيع اتفاقات تتنافى مع كل كلمة تتعلق بالدعم، لا بل كل حرف من كلمات الوزراء ممثلي تلك الدول العربية والإسلامية؟ 


إذا قيمة وأهمية مؤتمر "القدس صمود وتنمية" تكمن في إعادة نظر عربية وإسلامية خصوصًا في علاقاتها مع دولة المشروع الصهيوني اللا شرعية، وتبني استراتيجية صريحة وواضحة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الامن القومي العربي للدفاع عن قضية العرب المركزية، وتقديم الدعم المالي دون مواربة، ودون انتظار تعليمات من الإدارات الأميركية أو غيرها من مراكز القرار الغربية أو حتى الإسرائيلية. بالإضافة للعمل الجاد لتجسير عوامل الوحدة الوطنية فعلاً لا قولاً، ومحاصرة الانقلاب الأسود في قطاع غزة لطي صفحته كليًا، ووضع خطط لتمويل مشاريع تنموية حقيقية في القدس، وحماية مكانتها العربية الإسلامية والمسيحية، وموروثها الحضاري، والتصدي لمخططات الدولة الصهيونية سياسيا وديبلوماسيا وقانونيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميًا. 


مع ذلك أعتقد، أن مؤتمر القدس صمود وتنمية يعتبر خطوة إيجابية، ولكن يحتاج إلى المراكمة والترجمة العملية الحقيقية لقراراته على الصعد المختلفة.