على الطرف الغربي من محافظة القطيف شرق السعودية، وسط ما كان بمثابة غابة من بساتين النخيل وأشجار اللوز، انتصب هناك "حمّام" أثري تعلوه قبّة لوزية الشكل، لتتناسق مع أشجار اللوز المنتشرة حوله، اتخذ مسماه "حمام أبو لوزة"، وكان صيادو اللؤلؤ يتوقفون في فصل الشتاء عن الصيد ليقصدوا عينه لتنظيفها.

يعد حمام أبو لوزة الأثري، إحدى روائع الإبداع المعماري التراثي، ومن أهم الوجهات السياحية في المحافظة، فقد أقيم الحمام الذي يخضع حالياً للترميم من قبل هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة، بالقرب من عين أبي لوزة الحارة "الكبريتية"، التي كان يُستشفى قديماً بمياهها لعلاج الأمراض الجلدية وآلام المفاصل.

وأما بناء الحمام فتتضارب الأقوال في تاريخ تشييده، فهناك من يرجعه إلى ما بين القرن الثالث أو الرابع الهجري في عهد القرامطة أو إلى عهد العيونيين بين القرن الخامس إلى السادس الهجري، وقول آخر يرجعه إلى ما قبل 500 عام، وذلك ما يدل عليه نمط البناء، وقد أعاد تجديد بنائه أحمد مهدي آل نصر الله حاكم القطيف وذلك في عهد الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله خلال حكم الدولة السعودية الثانية في القرن الثالث عشر.

وكان "الحمام" جزءاً من اهتمام "الطواويش" وأهالي قلعة القطيف، والذين كان أغلبهم تجارا ذوي مكانة في المنطقة، فقد كانوا يقصدونه طيلة أوقات اليوم للسباحة والاستجمام على الرغم من أن موقعه بعيد نسبياً عن النطاق العمراني، متوسطاً منطقة زراعية بقرية البحاري التابعة لمحافظة القطيف

ويصل عمق العين الجوفية ذات المياه الكبريتية التي بني عليها الحمام إلى 22 مترا، وهي عبارة عن بئر عميقة نسبيا، ووسط هذه البئر امتداد أعمق يسمى التنور، ثم يليه امتداد آخر أعمق، وهكذا وصولا إلى القاع الذي تنبع منه المياه. وقد عرفت طريقة الحفر هذه تاريخيا في منطقة الخليج العربي، حيث حفرت أغلب عيون القطيف بالطريقة ذاتها.

وتميّز الحمام بأنه بُني على طريقة غير مألوفة في المنطقة، فسقوفه القببية على خلاف أسقف حمامات العيون المنتشرة في أنحاء القطيف قديما، التي كانت تسقف بجذوع النخيل والمرابيع أو الألواح الخشبية، بينما "أبو لوزة" بني على شكل محاريب تعلو بعضها بعضا لتبنى فوقهم القبب ولا زال محافظا على نفس النمط من الداخل. وداخل الحمام مكون من قسمين: واحد للرجال وآخر للنساء، صمما بمواصفات العمارة القطيفية، وهو مبني من مواد الحجارة والطين والجص وجذوع النخيل.

ويحتوي الحمام على غرفة ذات شكل مستطيل تقع بمحاذاة نبع العين، ولهذه الغرفة كوات أو فتحات مربعة الشكل تستخدم لوضع الأمتعة والملابس وتسمى محليا "روزنة". وعلى طول الغرفة توجد "دكات" أو "الدقق" وهي أماكن للجلوس والراحة تستخدم للانتظار في أوقات الازدحام على الحمام، ويجلس عليها مرتادو الحمام يحتسون الشاي والقهوة ويتبادلون أطراف الحديث، وعليها يتم التدليك بعد الاستحمام.

فيما شُيد فوق غرفة النبع قبة على شكل نصف دائرة مدببة تشبه رأس اللوزة من الخارج، واتخذ في بنائها نظام "المقرنصات" المعروف في بناء القباب خلال الفترات الإسلامية والذي يعتمد على التدرج من السطح المربع إلى السطح الدائري الذي تقوم عليه القباب، ويهدف لتوزيع الجهد والثقل على كل ركن من أركان الحجرة المربعة إضافة إلى شكله الجمالي. وتحتوي القبة على فتحات دائرية لتنفيس الهواء، وإدخال أشعة الشمس للإضاءة، وكذلك تخفيف كثافة البخار الخارج من العين.

ولذا فقد أقام الأهالي فوق عين أبو لوزة هذا الحمام بطريقة هندسية بحيث تحفظ الحرارة فتكون الجدران سميكة ومنافذ الهواء محدودة وتكون فتحات تصريف البخار إلى الأعلى. ومثلها كان حمام تاروت وحمام عين بدي بالأوجام في محافظة القطيف.