أكاد أجزم أنه في كل يوم من أيام السنة هناك حدث فلسطيني أو أكثر، حدث يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الصهيوني موجود في الذاكرة الوطنية الجماعية للشعب الفلسطيني، فلا ننسى أن هذا التاريخ المشترك هو المكون الرئيسي لهذه الذاكرة وهو أحد أهم مكونات الهوية. وفي إطار هذه الذاكرة يحتل شهر آذار / مارس مكانة خاصة، فلو سألت أي فلسطيني عن التواريخ المهمة بهذا الشهر لعدد بسرعة البرق يوم المرأة العالمي، عملية دلال المغربي واستشهادها مع رفاقها بالعملية، وكان سيتوقف بالشرح عند ذكرى معركة الكرامة ويوم الأرض المجيد في 30 آذار، وطبعًا يوم الأم الذي يصادف اليوم ذاته لمعركة الكرامة في 21 من الشهر ذاته.

وفي عملية البحث عن التواريخ وأهم الأحداث الفلسطينية، فيمكن أن يجدها المرء بسهولة في موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية " وفا "، التي هي  بالفعل أحد أهم مخازن الذاكرة الفلسطينية بكل موضوعية ولكن بانحياز للحق الوطني الفلسطيني.

على أية حال، في شهر آذار هناك أحداث مهمة لفت نظري منها، في 11 آذار 1948 قام الشاب الفلسطيني أنطوان داود بنسف المقر الرئيسي للوكالة اليهودية في القدس، مقر هذه الوكالة كان هو مقر القيادة الصهيونية في فلسطين. وفي 19 من الشهر ذاته عام 1948 وافق مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار أميركي بإلغاء قرار تقسيم فلسطين الذي صدر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947, ولكن في اليوم الذي سبقه، أي 18 آذار، وهنا التناقض في السياسة الأميركية في ذلك الوقت، كان الرئيس الأميركي ترومان قد أعطى وعدا لزعيم الصهيونية العالمية وايزمان بأنه سوف يدعم إقامة دولة يهودية في فلسطين.

وفي الأول من آذار عام 1965 بدأت إذاعة صوت فلسطين من القاهرة، وفي 9 آذار 1965 قامت إسرائيل باعتقال أول أسرى فتح محمود حجازي بعد أن قام بعملية فدائية قبل هذا التاريخ بأسبوعين.  وكان الزعيم المصري جمال عبد الناصر قد بدأ في 9 آذار 1969 حرب الاستنزاف على جبهة قناة السويس، وهي الحرب الذي أراد عبد الناصر من خلالها إعادة الاعتبار للجيش المصري الذي هزم في حرب حزيران / يونيو 1967. وبعد هذا التاريخ بعشر سنوات في 26 آذار وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن وبحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر على معاهدة السلام.

وبعد حرب الخليج الأولى عام 1991, دعا الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلى عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في 6 من آذار، وفي السياق ذاته  تبنت القمة العربية  في بيروت في 28 آذار 2002 مبادرة السلام العربية التي طرحت معادلة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة مقابل التطبيع.

وبالطبع هناك تواريخ وأحداث أخرى كثيرة جرت في شهر آذار، ولكن تبقى معركة الكرامة ويوم الأرض هما من الأحداث الأهم في تاريخ مقاومة الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي. معركة الكرامة مثلت نقطة تحول في التاريخ .30 آذار 1976، الذي مثل انتفاضة جماهير الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر ضد الاستيلاء على الأرض، فقد وحد الشعب الفلسطيني في كل مكان دفاعا عن أرضه.

منذ أن وطئت أقدام أول موجة مستوطنين صهاينة أرض فلسطين في ثمانينيات القرن التاسع عشر وحتى اليوم أصبحت أيام الشعب الفلسطيني مليئة بتواريخ مأساوية، تواريخ مجازر ومذابح ونكبات، وفيها أيضا ملحمة مقاومة وصمود وانتصارات.

وفي آذار شهر نوار اللوز ولد الشاعر محمود درويش مع أزهار البراري الربيعية. وآذار هو بداية دورة حياة جديدة، وفي أحد آذارات السنين القريبة القادمة سيأتي ربيع الشعب الفلسطيني...سيأتي فجر الحرية.

المصدر: الحياة الجديدة