تقرير: جويد التميمي
شكلت انطلاقة حركة "فتح" في الأول من كانون ثاني/ يناير من العام 1965، انتصارًا لكافة الثوار والأحرار من فلسطين والعالم، وتدحرجت ونمت حتى أصبحت أنبل ظاهرة ثورية في التاريخ المعاصر، فكانت ولادة حقيقية لمقاومة فلسطينية عنيدة بعد النكبة، أعادت الاعتبار للهوية الفلسطينية، ولفتت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية وعدالتها.
عمل الثوار في ظروف معقدة لتشكيل خلايا الكفاح المسلح والنضال ضد الاحتلال، واستطاعوا بسرية تامة استخدام كافة الطرق والوسائل، وتنفيذ عدة عمليات ضد جنود الاحتلال والعصابات الصهيونية، واستمر العمل الفدائي الفلسطيني، وازداد في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حين أقيمت معسكرات لتدريب الفدائيين الفلسطينيين في بعض الدول العربية، مثل: سورية، لبنان، الجزائر، مصر، وأصبح هؤلاء المتدربون النواة النضالية الفلسطينية.
وعن تلك المرحلة وكيف كانت بدايات العمل الفدائي والنضالي ضد الاحتلال، قال المناضل الفتحاوي موسى ياسين أبو صبحة من بلدة يطا جنوب الخليل، إن الكفاح المسلح الذي تبنته الحركة مع انطلاقتها أسهم بدور رئيسي وحاسم في انبعاث وتأسيس الحركات والأحزاب الوطنية، وأصبح الفدائي الفلسطيني رمزاً، تلتف حوله الجماهير في كل مكان، كما مثلت منظمة التحرير الفلسطينية وطنًا معنويًا لشعبنا وهذا ما جعلها مميزة بين حركات التحرر الوطني في العالم.
وتابع: صارت فتح أم الجماهر الفلسطينية وتبنت الكفاح المسلح إلى جانب برامجها السياسية والاجتماعية، وصار الانتماء لها والانضواء تحت لوائها رسمياً وعفوياً، حتى أصبحت العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية، ما جعلها تتحمل المزيد من الصعاب، والعقبات فلسطينياً وعربياً ودولياً.
وأضاف: "حرصنا على الوطن أكبر من حرصنا على أرواحنا، حيث كان لقائي الأول بالقائد حمدي سلطان، وكنت برفقة المناضل إبراهيم الشامسطي، وتعلمنا من حمدي ان الايمان المطلق بحتمية النصر هي القاعدة الأولى والابرز في قواعد العمل الثوري، وهذا يتطلب التضحية لأجله ومن يومها انتمينا لحركة "فتح"، وكنت ابلغ من العمر 22عاما".
وتحدث أبو صبحة (67 عاما) وهو أب لسبعة أبناء، عن صعوبات العمل النضالي في مرحلة البدايات وتفوق الإرادة على القوة، وكيف كانت تنقل الأسلحة بين الفدائيين داخل الوطن وعبر ضفتي نهر الأردن، ما يستوجب توفر الحس الأمني وصلابة الشخصية، إلى جانب بعض وسائل التواصل التي كانت تتوفر في حينه لنقل المعلومة وغيرها بين المناضلين.
وتابع: بعد تخرجي من الجامعة الأردنية ذهبت الى سوريا والتقيت بالقائد الشهيد خليل الوزير أبو جهاد الذي اكد لنا اهمية الايمان المطلق بعدالة قضيتنا والانتصار، ثم انتقلت للعمل بمهنة التدريس في ليبيا ثلاث سنوات، حيث كانت علاقة القائد الرئيس الشهيد أبو عمار بالمسؤولين الليبيين في حينه قوية مميزة جدًا تحظى بكل الدعم والتأييد والاحتضان للحركة الثورية الفلسطينية، وكان دورنا في ليبيا استقطاب الطلبة الفلسطينيين لحركة "فتح" والتحق بلا تردد الكثير من الليبيين والجزائريين والاريتيريين بالثورة الفلسطينية، ومنهم العديد من الشهداء والجرحى والأسرى.
وفي عام الـ 1976 رفعت "فتح" شعار النقاط العشرة، والتي كان أبرزها عدم تجييش الفدائيين "أي انعدام الرتب العسكرية" وان يكون القرب والبعد من الأنظمة العربية بقدر دعمهم للمسيرة التحررية، وان يكون الهدف واحدًا والتناقض الوحيد الرئيسي هو مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأسهب "بعد ليبيا عدت الى الأردن وعملت مدرسا بالكلية العربية في عمان لمدة عام، وكانت اللقاءات متواصلة مع قيادات الثورة في الساحة الأردنية، وطلب مني المناضل محمد حسن بحيص "أبو حسن القاسم" النزول الى الضفة الغربية، والتي كانت مجموعة عملية الدبويا متواجدة فيها بمدينة الخليل عام 1979م، وفي 2/5/1980م تم تنفيذها فكانت عملية بطولية نوعية أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى في صفوف قوات الاحتلال والمستوطنين.
واردف، عام 1981 التقيت في العاصمة الأردنية عمان مع أبو الحسن القاسم الذي طلب مني عدم التوجه لفلسطين لأنني مطلوب لقوات الاحتلال ضمن أعضاء مجموعة عملية الدبويا، وحينها انتابني حزن عميق وأصبحت في صراع داخلي وقلت له، "شارع يطا وزقاق البلدة القديمة في الخليل وسوق القطانين في القدس بالنسبة لي اجمل من كل مدن العالم وسأعود لفلسطين مهما كلفني الامر"، وغادرت الأردن الى سوريا لمدة 3 شهور، ثم عدت الى الأردن ومنها الى فلسطين، وعلى "الحدود الفلسطينية الأردنية" اعتقلت من قبل قوات الاحتلال، وتم نقلي الى مركز تحقيق بيت لحم ومنه الى تحقيق الخليل.
وتابع تم اعتقالي بتاريخ 17-9-1981م وأمضيت أربعة شهور في تحقيق سجن الخليل، ومن ثم حكمت سنتان فعليا وسنتان مع وقف التنفيذ، وأفرج عني بتاريخ 16-9-1983م دون أي اعتراف مني سوى اعتراف ضمني بأنني أحد مناضلي الثورة.
وعن حياة السجن في ذلك الحين قال: "في السجن لا فرق بين قائد وفرد ولا غني وفقير" وكانت المرحلة الأولى في السجون الاسرائيلية أي من سنة 1970م الى 1983م مرحلة مميزة وهامه للغاية في تاريخ الحركة النضالية الفلسطينية، حيث اصبحت السجون عبارة عن اكاديميات وجامعات تعلم مختلف العلوم والتخصصات واللغات وتنمي الفكر والثقافة وكل شيء، وبعد خروجي من السجن عام 1983م، كلفني الشهيد خليل الوزير "أبو جهاد" بأن اصبح عضو في اللجنة القيادية العليا لحركة "فتح" داخل الوطن، وهذه اللجنة كانت حديثة التشكيل لمتابعة العمل التنظيمي لفتح من كافة النواحي.
وأعيد اعتقال أبو صبحة عام 1985م وقضى عاما ونصف في سجون الاحتلال، وخاض مع رفاقه إضرابا عن الطعام استمر 20 يوما، وفي شهر شباط عام 1988 خلال الانتفاضة الحجارة، اعتقلت قوات الاحتلال جميع قيادات فتح في الوطن برمته، وتعرضت هذه القيادات لشتى أنواع القمع والتعذيب،
وتابع، قضيت عاما كاملا بالاعتقال الإداري وخرجت في العام 1989م وعدت معلما في رابطة الجامعيين، وبعد شهر من الافراج عني اعتقلت مجددا لمدة 9 شهور إداريا، وبعد إطلاق سراحي ذهبت في اليوم التالي لأخذ "هويتي" من سجن الخليل فاعتقلت يومها وقضيت 9 شهور اداريا أخرى، كما اعتقلت عام 1990 وقضيت 6 شهور إداريا أخرى في سجن النقب.
عمل أبو صبحة مع القائد فيصل الحسيني ضمن اللجان الفنية للمفاوضات، ثم شارك بعدها في تشكيل جهاز الامن الوقائي في فلسطين بتكليف رسمي من قبل الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، وكان عضوا في اللجنة الحركية العليا لفتح في داخل الوطن، وانتخب عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 1996.
وفي الذكرى ال 57 لانطلاقتها، كانت فتح وستبقى أم الجماهير حارسة الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال، قدمت وما زالت آلاف الشهداء والأسرى والجرحى من قادتها وأبنائها، وهي مستمرة في ديمومتها حاملة لواء التحرير وتخوض معاركها على الصعد كافة دبلوماسيا وسياسيا وقانونيا في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، إلى جانب تعزيز الصمود الشعبي ضمن المقاومة الشعبية السلمية في هذه المرحلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها