تقرير: إيهاب الرماوي 

صاح محمد ابن الخمس سنوات في وجه جده في أول زيارة له لوالدته الأسيرة إيناس العصافرة من بلدة بيت كاحل شمال غرب الخليل في سجن الدامون: "هذه ليست أمي".

اعتاد محمد أن يرى والدته مرتدية ملابس بألوان زاهية وابتسامة لا تفارق وجهها البشوش، لكنها اليوم كانت مختلفة بلباس الأسرى "الشاباص"...

"لما وصلنا أمام المعتقل، وكنا بانتظار الدخول، بدأ عبد الرحمن (3 سنوات) وشقيقه محمد (5 سنوات)، بالبكاء لسبب لا أعرفه، حاولت تهدئتهما وطمأنتهما أنهما سيلتقيان بأمهما بعد عدة أشهر من الغياب، لكن عندما التقيا بها لم يتعرفا عليها"، يقول جدهما عارف العصافرة.

عاد عارف إلى البيت محملاً بالهم والحزن على حفيديه، اللذين تركا وحيدين بعيدين عن والديهما ايناس، وقاسم المعتقلين منذ العاشر من آب/ أغسطس عام 2019، إضافة إلى عميهما أحمد ومحمد، اللذين هدم منزلهما في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته.

"صعب جداً أن تربي طفلين بعيداً عن والديهما، أن تعتني بهما، وأن تحاول أن تقدم لهما ما افتقداه في غيابهما، لكن كانت البداية مؤلمة علينا، ومع الوقت اعتادا على هذا الغياب القسري، لكنهما ما زالا يسألان على الدوام عنهما"، يضيف العصافرة.

سأل عبد الرحمن جدته أم أحمد في صباح يوم العيد، الذي تلا اعتقال والدته، بكلمات بالكاد كوّنها: "وين امي؟"، فأجابته جدته: "ستعود يا ولدي أمك قريباً وستحضر لك هدايا العيد".

أوصت الأسيرة إيناس قبل حلول ذلك العيد بأسابيع وخلال زيارة جدتهما لها، بأن تحضر لهما ملابس بألوان حددتها، فاختارت لعبد الرحمن قميصاً أزرق، ولمحمد قميصاً أخضر، فهاذان اللونان الأقرب لهما.

"دائما يسألان عن والديهما، الجريمة المستمرة بحقهما منذ نحو عامين اثقلتنا هموما واوجاعا، فنحن ما زلنا نحاول ان نعوض هذا الغياب عنهما، لكن في لحظة نشعر بأنه لا يمكن لأحد أن يعوضهما عن غياب والديهما مهما أعطيتهما من الاهتمام والحب"، يقول جدهما.

اللحظة الأصعب وفق العصافرة، كانت عندما التحق محمد بالصف الدراسي الأول، احسسنا وقتها مدى أهمية وجود الوالدين، لرؤية طفلهما البكر مرتدياً زيه المدرسي لأول مرة.

"في يومه الدراسي الأول، كنا نحب أن يوصله والده، ويشاركه هذا الإحساس كبقية أقرانه، وأن تصفف له والدته شعره، وأن تحضر له وجبته، لكنه حرم من ذلك"، يضيف الجد.

ستحقق إيناس حلمها أخيراً بلقاء طفليها في شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بعد قضائها مدة محكوميتها البالغة ثلاثين شهرا.

ستترك الأسيرة إيناس خلفها عندما يفرج عنها اثنتا عشرة أماً في سجون الاحتلال لثلاثة وثلاثين ابنا وابنة، وهنّ من بين سبع وثلاثين أسيرة يقبعنّ في سجن "الدامون" ومركز توقيف "هشارون".