أمس الأربعاء وبعد معركة عض الأصابع بين أبرز المتنافسين الأربعة: يحيى السنوار ونزار عوض الله، تمكن القائد السابق لحركة حماس في قطاع غزة بشق الأنفس من كسب الجولة الرابعة في انتخابات مجلس الشورى المكون من 320 عضوًا. ووفق بعض المصادر الإعلامية، أن السنوار في اتصال هاتفي ساخن مع رئيس الحركة، إسماعيل هنية أمس الأول الثلاثاء، أكد له أنه لن يتخلى عن قيادة الحركة في محافظات الجنوب، وبتعبير آخر لن يسمح لنزار عوض الله ولا لغيره من الفوز، لأنه يدرك جيدًا، أن امتلاك القرار في قيادة الانقلاب يؤمن له مركزًا مقررًا في قيادة الحركة عمومًا، فضلًا عن الحسابات الشخصية، والدور الوظيفي الموكل له.

ولكن معركة الانتخابات في قيادة حركة حماس في القطاع كشفت بِشكل جلي، أن السنوار لا يملك النفوذ الكافي، ليس هذا فحسب، بل إنه بات مرفوضًا من قبل قطاعات واسعة في مؤسسات الحركة، وبالتالي خرج منها مهزومًا لعدة أسباب: أولًا- سقوط الهالة التي أحاطت به منذ شباط/فبراير 2017. ثانيًا- انكشاف ظهره ونقاط ضعفه خلال السنوات الأربع الماضية. ثالثًا- عدم خشية كوادر مجلس الشورى من اليد الطولى ليحيى السنوار المتمثلة بالقسام. رابعًا- رغبة تيارات الشورى العودة للقيادات التاريخية للحركة، وأحد عناونيها عوض الله، لأن نموذج يحيى كشف عن خواء سياسي وعقائدي ومسلكي. خامسًا- حرب التصفيات التي قادها السنوار ضد قيادات وكوادر القسام، تركت ندوبًا كبيرة على تجربته في أوساط فرع الحركة الانقلابية في المحافظات الجنوبية. سادسًا- التناقضات غير المعلنة في أوساط أعضاء وكوادر الحركة بين المواطنين واللاجئين. سابعًا- فساد إدارته على أكثر من مستوى وصعيد ألب التيارات الأخرى عليه.

النتيجة أن فوز السنوار بالولاية الثانية، لم يكن فوزًا بالمعنى الدقيق للكلمة، لأنه جاء زحفا على البطن إلى موقع القيادة، وتحت عصا التهديد والوعيد، والجولات الأربع التي شهدتها الانتخابات خلال الأيام الماضية كشفت هذه الحقيقة. وبالتالي وإن احتفظ السنوار بموقعه الأول في قيادة الحركة في غزة، إلا إنه خرج مهزومًا، ومكسور الجناح، وهو ما سيفتح شهيته مجددًا لتصفية حسابات مع تيار نزار عوض الله وفتحي حماد ومحمود الزهار. والآخيران لم يحالفهما الحظ من البداية، لأنهما تدحرجا من الجولة الأولى للمنافسة بين الأربعة، وغادرا الحلبة بما يتناسب ومكانهما في الحركة، مهيضي الجناح. رغم جعجعاتهما الصاخبة والغوغائية.

ومعركة السنوار عوض الله تعتبر انعكاسا لمعركة المنافسة والصراع بين تيارات الحركة عمومًا، وإن كان بمعايير أوسع، لأنها لا تنحصر في نطاق هذا الإقليم أو ذاك، إنما تشمل فروع وأقاليم الحركة عمومًا، وما بينها من تناقضات وتباينات. فضلًا عن دور التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين، وتأثير الدول الحاضنة لمراكز حركة حماس في الخارج. وبالتالي لم يكن الصراع المحتدم بين عوض الله والسنوار معزولا عن التيارات المركزية في الحركة. وأعتقد أن التيار المغبون والمستاء من استئثار إقليم غزة بالمكانة المركزية في الحركة من الضفة والخارج كان داعمًا بقوة لوصول عوض الله، لأنه يريد التخلص من السنوار لأكثر من اعتبار، منها استعادة زمام الأمور في إدارة شؤون الحركة عمومًا وقطاع غزة خصوصًا، ولتكريس دور ومكانة القيادة السياسية للحركة، التي سحب تيار العسكر من تحت أقدامها القرار التنفيذي، وقوض صلاحياتها. فضلًا عن تصفية حسابات شخصية وتنظيمية.    

من المؤكد أن أي عملية انتخابية بغض النظر عن معاييرها وضوابطها الناظمة، تكشف المستور من الصراعات الخفية بين القوى ذات الصلة في هذا الحزب أو تلك الحركة أو ذاك الفصيل، ورغم الإقرار بالحقيقة القائلة: إن كل عملية انتخابية، هي عملية ديمقراطية، بيد أنها قد لا تكون كذلك، لأنها جميعها وبمستويات مختلفة، تشهد اختراقات ونواقص عديدة تمس بمكانة العملية الديمقراطية.

في كل الأحوال، فوز يحيى السنوار برئاسة الحركة في غزة يفرض عليه إعادة نظر بتجربته، وبسياساته وممارساته، وعليه أن يتمثل دور ونبض الشارع الفلسطيني عمومًا والغزي خصوصًا، وأن يدفع بعملية المصالحة للأمام، والكف عن خيار الانقلاب، وتهيئة المناخ الإيجابي لإجراء الانتخابات الوطنية القادمة لبناء طريق الوحدة الوطنية.