السمات المشتركة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الفاسد، نتنياهو والرئيس الأميركي السابق ترامب، عديدة، أيديولوجيًا، وسلوكيًا، وثقافيًا وعبادة لكرسي الحكم. رجلان عُجنا من طينة واحدة، حكمتهما نزعات الغرور والغطرسة، وتغليب المصالح الخاصة على مصالح الحزب والدولة والشعب، ولا يتورعان عن ارتكاب أية حماقة أو نزوة تخدم نرجسيتهما، وبقاءهما في موقع القرار والحكم، ويجيران كل نشاط سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو ديني لخدمة غاياتهما النفعية الفاسدة. رغم ادعائهما الالتزام بـ"الديمقراطية"، بيد أنهما لا يعترفان بها عمليا، ويقفان في الجبهة المضادة لها.

ومن لا يتذكر الأمس القريب السادس من كانون الثاني/ يناير الماضي عندما حرض الرئيس المهزوم في الانتخابات الرئاسية، ترامب أنصاره وقطعان عصابات البيض العنصرية على اقتحام مبنى الكابيتول، لحمل المجلسين: النواب والشيوخ على عدم القبول بنتائج الانتخابات، واعتبارها مزورة، والتساوق مع روايته المفبركة والمتناقضة مع عمليات الفرز وإعادة الفرز في العديد من الولايات الأميركية، ما نتج عن ذلك سقوط خمسة ضحايا، والعشرات من الجرحى، فضلًا عن تهديد الديمقراطية الأميركية، والانقلاب على الدستور ومصالح الشعب الأميركي العليا، حتى وضع مستقبل أميركا في مهب الريح.

الأمر ذاته فعله رئيس حكومة تسيير الأعمال، بنيامين نتنياهو أمس الأول الإثنين، عندما حرض ودعا أنصاره للتظاهر أمام مقر وزارة القضاء، مدعيا أن المستشار القضائي، أفيخاي مندلبليت يعرقل تنفيذ خطته الاقتصادية، وذلك لأنه رفض توجهاته بصرف مساعدات مالية لقطاعات واسعة من الصهاينة، واعتبر المستشار ذلك عشية الانتخابات شكل من أشكال الرشوة، ومحاولة استمالة الشارع الإسرائيلي للتصويت لصالحه شخصيا، كي يبقى على رأس كرسي الحكم، ويقفز من قفص الاتهام وقضايا الفساد الثلاث الموجهة له: الاحتيال والرشوة وسوء الأمانة، التي تلاحقه، بالإضافة لقضايا فساد أخرى، منها قضية الغواصات والبورصة.. إلخ.

جاءت عملية تحريض زعيم الليكود أثناء لقائه مع أصحاب ومصالح تجارية خلال جولة انتخابية يوم الاثنين الماضي، عندما دعا نتنياهو أحد المتواجدين في اللقاء، قائلا له: "تعال مع جميع أصدقائك إلى وزارة القضاء". ووجه حديثه لصاحب المقهى، الذي جرى به اللقاء "يقولون إن هذا اقتصاد انتخابات. بأي وقاحة هم لا يعطوننا هذا؟". وأضاف: "لدينا خطة لتحفيز عاملين على العودة إلى العمل، لكن المستشارين القضائيين والغانتسيين (نسبة لغانتس) ومن على شاكلتهم لا يسمحون بذلك". كما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أمس الأول.

وتعقيبًا على تفوهات النرجسي نتنياهو، قال مسؤول قضائي للصحيفة ذاتها، إنه "في جميع الأحوال، الهدف هو التحريض ضد مندلبليت. وستصور أجزاء من الخطة التي سيتم شطبها لأسباب قانونية على أنها رغبة من جانب نتنياهو لتقديم منفعة للشعب، بينما سيصور المستشار كرجل شرير. ويصعب ألا نرى ذلك خارج دائرة التحريض على المستشار وجهاز القضاء عشية مرحلة الإثباتات في محاكمة رئيس الحكومة". ولا يمكن لأي مراقب استمع لقول رجل الفضائح، وسيد الكذب، إلا أن يخرج بذات الاستنتاج، وهو ما يعني تفريطه بمؤسسات دولة المشروع الصهيوني، وإسقاطه لدور القضاء كليًا، لأنه يدرك أن قضاء دولته، هو قضاء استعماري واستعمالي وشكلي.

وأكد العديد من أصحاب الرأي في شارع الصحافة والمنابر الإعلامية الإسرائيلية على ذات الاستخلاص، وهو ما يكشف خلفية الرجل الفاسد، الذي لديه الاستعداد لأن يفعل كل الموبقات لحماية رأسه، ويؤبد وجوده في شارع بلفور، ويسقط التهم الدامغة عنه، أو يتمكن من تمرير القانون الفرنسي، الذي يؤمن له الحصانة، ويحميه من الملاحقة القانونية. بيد أن حسابات الحاوي ليس بالضرورة أن تزبط دومًا، لأن الجميع يدرك جيدًا حساباته الخاصة، وغالبية القوى الحزبية في الساحة الإسرائيلية باستثناء قوى الحريديم واليمن المتطرف والفاشي تعمل على إسقاطه من الحكم، وانتزاعه عن كرسي الحكم عبر صناديق الانتخابات، التي على ما يبدو أنها قد لا تكون حاسمة، لا سيما أن رصيد الملك الفاسد ما زال قويًا، ويتبوأ حزبه وشخصه المركز الأول بين القوى المشاركة في انتخابات الكنيست الـ24، وبالتالي لا شيء مضمون، وهذا انعكاس للأزمة العميقة التي يعيشها المجتمع الاستعماري الإسرائيلي.