بعد أكثر من إسقاط ما يزيد على خمسين دعوة قضائية ضد نتائج الانتخابات الرئيس دونالد ترامب، المنتهية ولايته مازال لم يستوعب الهزيمة، ويرفضها، ولا يقبل القسمة عليها، رغم أن المجمع الانتخابي في يوم الاثنين الموافق 14 من كانون الأول/ ديسمبر الحالي أقر بفوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، وهو السلطة المقررة في أمر فوز أي مرشح وفقًا لنتائج الانتخابات الرئاسية، إلا أن ساكن البيت الأبيض يبحث مع مرؤوسيه عن مخرج ينقذه من الإقرار بالهزيمة، وإعادة الانتخابات مجددًا، ومن الأفكار المثيرة طرحه على مستشاريه فرض القانون العرفي يوم الجمعة الموافق الحادي عشر من الشهر الحالي ، بيد أنه لم يجد قبولًا، لا بل رفضًا وانتقادًا واضحًا من قبل مساعديه، وفق ما صرحت به العديد من وسائل الإعلام الأميركية.
ومع أن ترامب نفى صحة ذلك على موقعه في "تويتر". إلا أن إصراره على رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، وهو ما أعلنته المتحدثة باسمه كايلي ماكيناني يوم الثلاثاء الموافق للخامس عشر من الشهر الحالي، عندما قللت من أهمية تصويت المجمع الانتخابي، واعتبرته لا يمثل سوى "خطوة في المسار الدستوري"، وأعادت التذكير، بأنه لم يبت في كل القضايا المرفوعة أمام القضاء. بتعبير آخر عدم الإقرار بالهزيمة، ورفض الاعتراف بفوز بايدن. وبالتالي لم يسلم بالحقائق الرسمية المعلنة، وهو ما يعكس مواصلة الرئيس المنتهية ولايته والمقربين منه البحث عن كيفية قلب المعادلة الانتخابية رأسا على عقب. ومن الأفكار المتداولة، تكليف المؤسسة العسكرية بتنظيم انتخابات رئاسية جديدة، كما طرحت فكرة إصدار مرسوم رئاسي لمصادرة جميع أجهزة التصويت لفحصها، لقناعة وأوهام الرئيس الـ45 الشخصية أنها عنوان وأداة التزوير واسع النطاق... وغيرها من الأفكار الانقلابية.
وكما هو معروف لم تلجأ الحكومات الفيدرالية للأحكام العرفية منذ الحرب العالمية الثانية، أي قبل 80 عاما. ووفق دراسة أجراها "مركز برينان للعدالة" نشر في آب/ أغسطس الماضي هكذا توجه يحتاج إلى موافقة الكونغرس، الذي لا يملك فيه الجمهوريون الأغلبية مما يصعب محاولة الرئيس والمتحمسون لخياره.
والملفت للنظر، أن السيناتور الجمهوري الوحيد، الذي رفض أفكار ساكن البيت الأبيض، هو ميت روميني، وأعلن عن ذلك على شاشة "سي إن إن" الأحد الماضي بالقول "هذا لن يحصل"، ولم يفكر أي من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين التحفظ أو الاعتراض، أو الإدلاء بتصريح لصالح حماية النظام والدستور الفيدرالي، أو يحذر من مغبة الانزلاق لمتاهة الفوضى. وهذا قد يشكل حافزا للرئيس ترامب للوقوع في محذور السياسات الأقصوية المزعزة للنظام السياسي. لا سيما وأن العديد منهم أيضًا (الجمهوريون) لم يهنئوا الرئيس المنتخب باستثناء عدد من الشخصيات البارزة وعلى رأسهم، زعيمهم في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بادروا للتهنئة بعد مضي أكثر من شهر على إجراء الانتخابات الرئاسية، وهذا عامل إضافي يعزز خيار المغامرة عند أبي ايفانكا وأنصاره، ومن بينهم المدعية الفيدرالية المحامية المثيرة للجدل، سيدني باول، التي تؤكد، أنها كشفت مؤامرة عالمية، وليس أميركية فقط، لإفشال الرئيس المهزوم، ودون أن تقدم دليلًا واحدًا على ما ذكرته. وبالمناسبة هي مكلفة بالتحقيق في وجود نواقص وتزوير في العملية الانتخابية. لكنه تم عزلها من قبل فريق محامي الرئيس ترامب، لأنها تؤثر سلبًا على عملهم، وتفقدهم المصداقية، وتشيع اجواءً سلبية أمام المحاكم، التي تنظر ببعض القضايا ذات الصلة بالتزوير.
ورغم انحسار وتراجع هامش حركة ومناورة الرئيس ترامب، بيد أنه مازال يعول على الموالين له، بالإضافة لرهانه على وسائل الإعلام المحافظة، التي يغذيها بنظريات المؤامرة لتنشرها على مواقعها في محاولة لاستقطابات جديدة تساعده في قلب الطاولة على نتائج الانتخابات، وتجد تلك النظريات انعكاسها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث مازالت تضخ كما كبيرًا من التحريض على العملية الانتخابية، والتشكيك بفوز المرشح الديمقراطي. هذه المعطيات تشي بأن الشهر المتبقي من ولاية الرئيس الحالي يمكن أن يلجأ لمغامرات غير محسوبة النتائج سوى نتيجة افتراضية واحدة، عنوانها البقاء في البيت الأبيض، ونسف نتائج الانتخابات. وهذا التصرف أثار ردود فعل عديدة في الأوساط الأميركية، اعتبروها مستهجنة، وغريبة، ولا تتوافق مع مكانة رئيس الولايات المتحدة. لكن جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، قال إن هذا سلوك ترامب العادي واليومي، وليس جديدًا، أو مستغربًا، ويخطئ من يعتقد عكس ذلك.
باق شهر، لكنه قد يكون الأشهر، أو الفصل الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، لما قد يحمله من مفاجآت قد لا تحمد عقباها. وكل السيناريوهات من داخل وخارج الصندوق داخليًا وخارجيًا يفترض توقع حدوثها. لم يبق الكثير حتى يذوب الثلج ويظهر المرج.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها