بدأت الدول الأوروبية تعليق الرحلات الجوية الآتية من المملكة المتحدة، اليوم الأحد، في وقت دعت منظمة الصحة العالمية، إلى تشديد تدابير احتواء فيروس كورونا المستجد /كوفيد- 19/، في ظل تحذير الحكومة البريطانية من أن سلالة جديدة أقوى لكورونا المستجد "خرجت عن السيطرة".

وحذّر وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، يوم الأحد، من أن الإغلاق المشدد الذي فرض على لندن وجنوب شرق إنجلترا؛ قد يستمر لشهور نظرا إلى سلالة جديدة من فيروس كورونا "خارجة عن السيطرة".

وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أن على الملايين إلغاء خططهم بمناسبة عيد الميلاد والتزام منازلهم اعتبارا من صباح الأحد، بسبب سلالة جديدة من فيروس كورونا المستجد تتفشى بشكل أسرع بكثير.

وحذّر هانكوك من أن فرض التدابير المشددة التي تؤثّر على نحو ثلث سكان إنجلترا قد يتواصل إلى حين إطلاق اللقاح المضاد لكوفيد-19 بشكل كامل.

وقال هانكوك لشبكة "سكاي نيوز" في إطار تبريره للأوامر التي صدرت للسكان بالتزام منازلهم وحظر التجمّعات خلال عيد الميلاد وإغلاق المتاجر غير الأساسية "تحرّكنا بشكل سريع وحاسم للغاية".

وتابع: "للأسف، كانت السلالة الجديدة خارجة عن السيطرة، علينا استعادة السيطرة على الوضع".

وبدأ الأحد، تطبيق إجراءات "المستوى الرابع" الأكثر تشددا على نحو 16,4 مليون شخص، أي ما يعادل 31 في المئة من سكان إنجلترا. ولن يسمح لهؤلاء بإقامة تجمّعات عائلية بمناسبة عيد الميلاد بينما يمكن للعائلات في باقي أنحاء البلاد الاختلاط يوم عيد الميلاد فقط، بدلا من خمسة أيام كما كان مقترحا في السابق.

وتأمل المملكة المتحدة بتطعيم نصف مليون شخص بحلول نهاية الأسبوع، بحسب وزير الصحة.

وأكدت شرطة لندن أنها ستتخّذ إجراءات بحق أي أشخاص "يتّخذون قرارات طائشة تهدد حياة الناس". كما شددت مناطق أخرى في المملكة المتحدة إجراءاتها لمكافحة الفيروس.

وفرضت ويلز إغلاقا مشددا اعتبارا من الأحد بينما حظرت إسكتلندا السفر من وإلى باقي مناطق المملكة المتحدة خلال عيد الميلاد. وسيتم فرض تدابير إغلاق جديدة في إسكتلندا وإيرلندا الشمالية، اعتبارا من 26 كانون الأول/ ديسمبر.
هل اللقاحات فعّالة لمكافحة السلالة الجديدة؟

من جانبها، أعلنت الحكومة الألمانية، مساء الأحد، أن خبراء الاتحاد الأوروبي، توصلوا إلى خلاصة مفادها أن اللقاحات الراهنة المضادة لفيروس كورونا تتصف بالفاعلية لمكافحة السلالة الجديدة من كوفيد-19 والتي رصدت خصوصا في بريطانيا.

وقال وزير الصحة الألماني، ينس سبان، الذي تتولى بلاده حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي لقناة التلفزيون العامة "زد دي إف": "استنادا إلى كل ما نعرفه حتى الساعة، وإثر اجتماعات حصلت بين خبراء السلطات الأوروبية"، فإنه "لا تأثير /للسلالة الجديدة/ على اللقاحات" التي ما تزال فعالة.

في المقابل، رجح مسؤول طبي أميركي، عدم فعالية لقاحات كورونا في التعامل مع السلالة الجديدة المُبلغ عنها في المملكة المتحدة.

وقال رئيس الجهود الحكومية الأميركية لتطوير لقاح كورونا الطبيب منصف السلاوي، "على الأغلب اللقاحات المتاحة حاليا لن تكون فعالة مع سلالة الفيروس الجديدة المُبلغ عنها في المملكة المتحدة"، بحسب شبكة "سي إن إن".

وأضاف السلاوي أن فيروس كورونا قد يميل إلى التباين، لأن عملية الـ /RNA/ التي يستخدمها الفيروس أكثر عرضة للأخطاء.

وأشار إلى أن الجوانب الحرجة للفيروس، مثل بروتين السنبلة المُتضمن في اللقاح، خاص جدا بكوفيد - 19 ومن غير المرجح أن تتحور كثيرا.

وقال السلاوي: "نظرا لأن اللقاحات تستخدم أجساما مضادة للعديد من الأجزاء المختلفة من بروتين السنبلة، فإن فرص تغيرها جميعا، على ما أعتقد منخفضة".
قلق لدى علماء الأوبئة

ويثير ظهور السلالة الجديدة من الفيروس، قلق علماء الأوبئة.

وذكر المستشار العلمي للحكومة البريطانية باتريك فالانس، أن هذه السلالة الجديدة بالإضافة إلى انتشارها السريع، أصبحت أيضا الشكل "السائد" من الفيروس بعدما أدت إلى "زيادة حادة" في الحالات التي استدعت الدخول إلى المستشفيات في كانون الأول/ ديسمبر.

وقال كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا كريس ويتي، في بيان إن "المجموعة الاستشارية لأخطار فيروسات الجهاز التنفسي الجديدة والناشئة تعتبر الآن أن هذه السلالة الجديدة قد تنتشر بشكل أسرع".

ويرتكز هذا الرأي على ملاحظة "زيادة حادة في عدد الإصابات والحالات التي تستدعي الدخول إلى المستشفى في لندن والجنوب الشرقي مقارنة ببقية إنجلترا في الأيام الأخيرة"، بحسب ما قال أستاذ الطب في جامعة "إيست أنغليا"، بول هانتر لموقع "ساينس ميديا سنتر".

وأضاف: "يبدو أن هذه الزيادة ناجمة عن السلالة الجديدة" في إشارة إلى المعلومات التي قدمتها السلطات الصحية، ومع ذلك "لا يوجد مؤشر في الوقت الراهن على أن هذه السلالة الجديدة تسبب ارتفاع معدل الوفيات أو أنها تؤثر على اللقاحات والعلاجات، لكن العمل جار لتأكيد ذلك".

ووفق ما قال البروفيسور بيتر أوبنشو المتخصص في جهاز المناعة في إمبريال كوليدج لندن لموقع "ساينس ميديا سنتر"، فإن المعلومات حول هذه السلالة الجديدة مقلقة جدا، خصوصا لأنه "يبدو أنها أكثر قابلية للانتقال بنسبة تتراوح بين 40 إلى 70%.

وأضاف البروفيسور جون إدموندز من كلية لندن للصحة وطب المناطق المدارية: "هذه أنباء سيئة للغاية، يبدو أن هذه السلالة معدية أكثر بكثير من السلالة السابقة".

وتحمل السلالة الجديدة طفرة تسمى "N501Y" في بروتين "شويكة" فيروس كورونا، وهي موجودة على سطحها وتسمح لها بالالتصاق بالخلايا البشرية لاختراقها.

ووفقا للدكتور جوليان تانغ، من جامعة ليستر "كانت هذه السلالة تنتشر بشكل متقطع في وقت سابق من العام الحالي خارج المملكة المتحدة، في أستراليا بين حزيران/ يونيو، وتموز/ يوليو، والولايات المتحدة في تموز/ يوليو وفي البرازيل في نيسان/ أبريل".

ولفت البروفيسور، جوليان هيسكوكس، من جامعة ليفربول إلى أن "فيروسات كورونا تتحوّر طوال الوقت وبالتالي ليس من المستغرب ظهور سلالات جديدة من سارس-كوف-2. الشيء الأكثر أهمية هو معرفة ما إذا كانت هذه السلالة لديها خصائص من شأنها التأثير على الصحة البشرية والتشخيصات واللقاحات".

وأشار أكسل كان إلى أنه "كلما ارتفع عدد الإصابات، ارتفعت احتمالات حصول تحور عشوائي للفيروس وارتفعت وتيرة حصول تحور".
"اكتشاف السّلالة للمرة الأولى"

واكتشف العلماء السلالة الجديدة أول مرة لدى مريض في أيلول/ سبتمبر، وفق ما أفادت سوزان هوبكنز من هيئة الصحة العامة في إنجلترا شبكة "سكاي نيوز".

وقالت هوبكنز إن العلماء اكتشفوا في تشرين الثاني/ نوفمبر أن السلالة الجديدة مسؤولة عن مجموعة إصابات في كينت وتتفشى في لندن وإسيكس وأبلغوا الحكومة بالأمر في 11 كانون الأول/ديسمبر.

وقالت إن هيئة الصحة العامة في إنجلترا أبلغت الحكومة مرة أخرى الجمعة عندما كشفت عملية إعداد نماذج عن الخطورة الكاملة للسلالة الجديدة.

وأكدت الرقم الذي تحدّث عنه جونسون بأن السلالة الجديدة قد تكون معدية أكثر بنسبة 70% مشيرة مع ذلك إلى أن هذا رقم أولي.

وقالت: "أعتقد أن 70% يبدو رقما يمكن استخدامه حاليا"، وأضافت أنه تم العثور على الفيروس في جميع مناطق إنجلترا لكن بأعداد ضئيلة، كما أشارت إلى أنه تم تحديد حالات في أستراليا ودول أوروبية أخرى.

وقال كبير مستشاري الحكومة العلميين، باتريك فالانس، السبت، إن السلالة الجديدة "تضم 23 تحوّرا مختلفا" بما في ذلك الطريقة التي يرتبط الفيروس من خلالها بالخلايا البشرية ويدخل الخلايا.

وقال الأستاذ المساعد المتخصص في علم الأحياء الدقيقة الخلوي لدى جامعة ريدينغ سايمن كلارك لوكالة "فراس برس" إن التحوّر الذي ظهر في السلالة الجديدة يؤثر على "البروتينات الشوكية" في الفيروس والتي تستهدفها اللقاحات.

وأضاف: "إذا نظرنا إلى التغييرات التي تحدثها هذه التحوّرات في البروتينات الشوكية، والتي تستهدفها اللقاحات، فلا أعتقد أنها كافية لتغيير مدى فعالية اللقاح".

وأفاد رئيس بلدية لندن، صادق خان، شبكة "سكاي نيوز"، بأن عدد المرضى المصابين بالفيروس الذين نقلوا إلى قسم الطوارئ بات يساوي العدد الذي سُجّل في ذروة الموجة الأولى في نيسان/أبريل. كما يزداد عدد الإصابات بشكل سريع في أوساط الأشخاص البالغة أعمارهم ما بين 10 و19 عاما.
منظمة الصحة العالمية تدعو أوروبا إلى "مضاعفة قيودها"

بدورها، دعت منظمة الصحية العالمية، أعضاءها في أوروبا إلى "تعزيز قيودهم" على خلفية ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا تنتشر في المملكة المتحدة.

وخارج الأراضي البريطانية، جرى تسجيل بضع حالات إصابة بالسلالة الجديدة، بينها تسع في الدنمارك وحالة في كل من هولندا وأستراليا، وفق منظمة الصحة العالمية التي أوصت أعضاءها بـ"توسيع /قدراتهم/ على تحديد ماهية سلالة" الفيروس قبل الحصول على مزيد من المعلومات عن أخطارها.

وقررت دول أوروبية عدة، الأحد، تعليق الرحلات الآتية من المملكة المتحدة بعد اكتشاف هذه السلالة "الخارجة عن السيطرة".

وتحدثت المنظمة عن "مؤشرات أولية تفيد ان عدوى السلالة قد تكون أكبر"، فضلا عن أنها "قد تؤثر في فاعلية بعض أساليب التشخيص".

وأوضحت أنه "لا دليل على تبدل في خطورة المرض" رغم أن هذا الموضوع لا يزال موضع أبحاث.

وقالت متحدثة باسم فرع المنظمة في أوروبا لـ"فرانس برس"، إن المنظمة ستدلي بمزيد من المعلومات "حين يكون لديها رؤية أكثر وضوحا عن صفات هذه السلالة".

وقالت المنظمة أيضا، إنه "في أنحاء أوروبا، حيث تنتقل العدوى بشدة وعلى نطاق واسع، يتعيّن على الدول مضاعفة قيودها وإجراءاتها الوقائية".
حظر دخول وافدين من بريطانيا

وعلقت فرنسا اعتبارا من منتصف ليل الأحد، دخول جميع "الوافدين من المملكة المتحدة من طريق البر والجو والبحر وعبر السكك الحديد"، إضافة إلى عبور الأفراد "المرتبط بنقل سلع"، على خلفية رصد سلالة جديدة من فيروس كورونا.

وأوردت الحكومة الفرنسية بعد اجتماع عبر الفيديو لمجلس الدفاع الصحي، ترأسه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ما يزال في الحجر بعد إصابته بكوفيد-19: "بناء عليه، وحدها عمليات الشحن التي لا يواكبها أفراد سيتم السماح بها. و/القرار/ لا يشمل توجه الأفراد ووسائل النقل إلى المملكة المتحدة".

وبذلك، تحذو فرنسا حذو بلجيكا وإيطاليا وألمانيا وإيرلندا بعد رصد السلالة الجديدة.

وأضافت الحكومة الفرنسية "يبدو أن هذه السلالة الجديدة لا تنطوي حتى الآن على خطورة متزايدة أو تبدي مقاومة للقاح"، و"لم يتأكد إلى الآن أن الانتشار السريع لهذه الطفرة في المملكة المتحدة مرتبط بخاصية أساسية للفيروس".

لكنها تداركت أنه "بالنظر إلى تسارع الوباء منذ بضعة أيام في المملكة المتحدة، أبلغت السلطات الصحية البريطانية منظمة الصحة العالمية بمعلومات مفادها أن هذه الطفرة يمكن أن تكون معدية أكثر من الطفرات الأخرى لسارس-كوف-2"، والتي أحصي أكثر من 12 ألفا منها منذ بدء تفشي الوباء.