تقرير: يامن نوباني

السبت، الخامس عشر من آب الجاري، استيقظت اللبن الشرقية، القرية الصغيرة "2900 نسمة" في ريف نابلس الجنوبي، المتشابكة مع أراضي مدينة سلفيت وقرى شمال رام الله، في قلب الضفة الغربية، على نداءات بحظر الحركة والخروج من البيوت، بسبب ارتفاع الاصابات بفيروس كورونا.

قبل ذلك السبت بأيام قليلة، سجلت اصابتان، تبعتها ثلاث اصابات، حتى تلك اللحظات كانت القرية تعيش أجواء شبه طبيعية، مع بداية خوف حقيقي من العدوى والانتشار السريع لكورونا، خاصة أن القرية شهدت ثلاثة أعراس في ظرف عشرة أيام، وهو ما ساهم بارتفاع الاصابات بشكل كبير.

ويوم الخميس، الثالث عشر من آب الجاري، سجلت القرية 15 إصابة جديدة، ما رفع عدد الإصابات إلى عشرين، وهو الرقم الذي أدخل القلق لمعظم عائلات القرية، ودفع 166 شخصا للقيام بالفحص يوم الجمعة الرابع عشر من آب الجاري، ليتبين في اليوم التالي أن 71 منهم حاملين للفايروس، يضاف إليهم في اليوم ذاته 17 اصابة لأشخاص قاموا بالفحص في زواتا ورام الله.

وصول الإصابات إلى ما يقارب الـ100 في غضون ثلاثة أيام، بعد أخذ 300 عينة فقط، دب الرعب في صفوف المواطنين، الذين التزموا بيوتهم تلقائيا، قبل أن يبدأ تدخل الجهات الطبية والأمنية المختصة.

الأحد 16 آب، تم فحص 100 عينة، ظهرت نتيجة 50 منها ايجابية إضافة لاصابات ظهرت ايجابية بعد قيامها بالفحص في أماكن أخرى ليرتفع العدد إلى ما يقارب الـ170، ما دفع إلى إغلاق جميع مداخل القرية بالسواتر الترابية، حتى الطرق الفرعية التي تؤدي للقرى المحيطة والجبال، وأعلنت الأجهزة الأمنية عدم التنقل والحركة رسميا من وإلى القرية، وحضرت سيارة اسعاف للتواجد بشكل شبه دائم.

تمر الأيام وتُسجل عشرات الاصابات، حتى وصلت اليوم إلى أكثر من 280 إصابة بعد فحص ما يقارب 820 عينة. بينما يتوقع أن الحجم الحقيقي للاصابات قد يصل إلى 900 اصابة، لكن الكثير من الأسر والمخالطين من الدرجة الأولى رفضوا القيام بالفحص وقرروا حجر أنفسهم تلقائيا.

احتاجت نحو 10 حالات لتدخل طبي، جرى نقل بعضها إلى المستشفى العسكري في نابلس، ومعظمها عانت من ضيق تنفس وارتفاع للحرارة، لكنها كانت جميعا مستقرة، خاصة أن أكثر من 20 إصابة هي فوق سن الستين، بينما ظهرت على نحو نصف المصابين أعراض ما بين خفيفة إلى متوسطة، وأشار قلة من الفئة الشابة إلى عدم وجود أعراض نهائيا.

بعد مرور أسبوع على الاغلاق التام، مع تحديد ساعتين كل يومين للتزود بالمواد التموينية من المحال التجارية، كتبت شابة من القرية على حسابها على فيسبوك: "جاي ع بالي حبة فلافل سخنة".

فتح المطعم الوحيد في القرية بابه صباح الجمعة 21 آب، لعدة ساعات قبل العودة للإغلاق، حيث حضر العشرات للحصول على الحمص والفلافل، وعلى وجوههم فرحة الحصول على تلك الوجبة الشعبية التي تحولت من يومية وعادية، إلى متقطعة ومشتهاة.

إلى جانب ذلك، أدى تفشي الوباء في القرية إلى انقطاع الناس عن التين والصبر، الذي نضج وحان قطافه، وهو الموسم الشهي للكثيرين وخاصة العجائز.

استغل الشبان ساعات السماح بالحركة للوصول إلى شجر الصبر والتين، وتقديمه لذويهم الذين اشتهوا تذوقه، وخشيوا عليه بعد أن تُرك للنحل والحشرات في البرية والتي أضرت كثيرا به، وفسد أكثر من نصف الموسم بعد أن نضج وسقط أرضا.

لم تمر أيام الوباء الأولى، وهي الأصعب، دون مواقف مضحكة، كخروج أحد كبار العمر (82 عاما) من منزله الذي يفارقه في الأسبوع مرة أو مرتين للضرورة، لكنه في اليوم الثالث لمنع الحركة خرج وبدأ بالسؤال: أين الناس؟ أين الأطفال الذين كان يلاحقهم لازعاجهم بيته خلال لعب الكرة؟ ويريد شراء لبن آب من الدكان، يسأل لماذا الدكان مغلق؟؟ ما دفع شبان لشرح الحالة له، وأن القرية مغلقة ومنوع الحركة فيها بسبب كورونا...

قصص أخرى كتبت ورويت، منها: أن شاب من بيت فيه تسعة مصابين، وهو مخالط من الدرجة صفر.. لكنه وبعد إجراء الفحص للمرة الخامسة تبين ان نتيجته سلبية "سليم"، فكان يذهب للفحص ويعود على أمل الإصابة "كما نشر على الفيسبوك" لكن الفيروس دائما كان يخيب ظنه!

فيما نشر آخرون صور لأطفالهم المصابين وهم يأكلون بشراهة، خاصة الشوكلاتة، متحدين الفيروس الذي يفقد حاستي الشم والتذوق..

المآساة الكبرى كانت في عدم اقتناع الكثيرين بكورونا، وهو عدم اقتناع لم يولد اليوم، انما منذ ظهوره ووصوله الى فلسطين في منتصف آذار الماضي، حتى أن العديد منهم أصيب أهل بيته ومع ذلك بقي على اصراراه أن لا شيء اسمه كورونا، وأنها مؤامرة، ولا يراد لهم التوجه لأعمالهم أو فتح مصالحهم التجارية، وبعضهم حرض الناس على خلع الكمامة واستهزاءه من الذين يأخذون الموضوع على محمل الجدية!