نحتاج الآن قبل الغد إلى قرار قانوني يعتبر مخالطة المصاب بفيروس كوفيد 19 المستجد (كورونا) للآخرين وهو على علم بِمثابة تهديد للحياة ينبغي وقفه عند حده بالحجر الصحي الإلزامي.
لا اعتبار للنوايا في زمن الوباء القاتل، ولا وقت لسلطة القانون لتنظر وتفرق الحسنة عن السيئة، فالأمر متعلق بالحياة الفردية والجمعية للشعب الذي باسمه تصدر القوانين والقرارات، ومتعلق بِسباقٍ مع الزمن للحفاظ على أمنه وسلامته والقوانين ما كانت إلا لتحاسب مرتكب جريمة أو جناية على أضرار مادية ونفسية تتراوح بين خسارة مادية وبين سفك الدم عن قصد أو غير قصد يسببها الجاني ليس لِشخص المتضرر أو المجني عليه وحسب، بل للمجتمع أيضًا، فكيف ونحن نتحدث عن فيروس وباء ينتقل خلسة وبأسرع مما نتوقع لا يوفر ذوي القربى ولا يعترف بالصلات العائلية أو بالصداقة أو بِمستوى العلاقة مع  أبناء الحي أو الزملاء في مكان العمل، أو حتى الغرباء المتجمعين أو المتزاحمين في مكان خاص أو عام، فالكل بالنسبة للفيروس فرائس (ضحايا) سينالها ما دام المصاب متوفر ومتنقل على قدمي الجهل والعناد.
هنا لا بد من تدخل سلطة القضاء، والسلطة التنفيذية المكلفة بتطبيق وتنفيذ القوانين للعمل بأعلى درجات المسؤولية تحت غطاء إعلان حالة الطوارئ، وتوفير الأرضية القانونية لِرئيس الدولة الذي منحه القانون حصريًا حق إعلان حالة الطوارئ.
تحتاج سلطة القانون إلى إجراءات تستغرق وقتًا طويلاً لتوجيه اتهام أو إقرار خلاصة حكم تتعلق بجريمة الشروع بالقتل، لكن في حالة الطوارئ المعلنة لمواجهة خطر فظيع يهدد المجتمع دون استثناء فإن إضاعة الوقت في البحث عن النوايا والتفاصيل سيمنح العدو الخفي (الوباء) فرصة التسلل وخرق كل جبهاتنا الصحية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتدمير أساساتها، لذا فإن تعليق عامل الوقت والبحث في التفاصيل في زمن الجائحة يعني خسائر أقل، وصمود أوسع وأعمق، ومواجهة حاسمة لا هوادة فيها، ولا مجال للحديث عن رحمة أو عفو أو حقوق إلا اذا كانت مرتبطة بمصلحة المجتمع كافة، فالحقوق المكفولة بالقانون التي كانت تنفع الفرد في الأحوال العادية مثلاً، لن تنفعه في زمن الجائحة (الوباء) وأثناء حالة الطوارئ لأن حقوق الفرد في هذه اللحظات قد انصهرت في بوتقة حقوق المجتمع كافة، التي سيكون من مسؤولية سلطة القانون الحفاظ عليها وتأمينها ولو على حساب بعض الحريات والحقوق الفردية الشخصية.
كنّا السبّاقين في الإجراءات لمحاصرة خلية الفيروس الأولى الوافدة إلينا من الخارج في بيت لحم، حتى شهدت دول ومنظمة الصحة العالمية لحكمة قيادة دولة فلسطين السياسية وقد نكون من أوائل الدول -رغم الاحتلال العامل على إغراقنا في مستنقع الوباء- إذا تم إصدار قرار بقوة قانون يعتبر المصاب بفيروس كورونا والمخالف للإجراءات الطبية الصحية والأمنية وهو يعلم أنه مصاب، يعتبره متهمًا بالاستهتار وتهديد الحياة، فالبعض -وهم نسبة ضئيلة جدًا- جهلة، لا يقيمون وزنًا ولا اعتبارًا لأهل العلم والنصيحة، والخبرة، وحتى سلطات القانون لا يفكرون إلا بتلبية رغباتهم مهما كان الثمن، لذا فإن القانون سيكون الرادع الأقوى بِاسم الشعب الذي لا تعلو إرادة فوق إرادته.