لم يتبق الكثير حتى يعاد التفكير بالحل الناجع لاستمرار النظام الدولي القائم؛ ولا أقصد هنا بأحادية أو ثنائية أو حتى تعددية القطبية التي أيضاً هي محل نقاش أممي على شكل النظام الدولي الذي سيكون والتي بدأت ملامحه ترتسم، ما أقصده هو ماذا لو سقطت العولمة؟، ماذا يعني فشل الديمقراطيات في الاتفاق أو تطبيقه؟ ماذا تعني المصلحة من جديد؟ أين تطبيق قائمة المعايير الليبرالية؟

أغلقت الدول جزءاً منها بشكل بسيط، والأخرى بشكل نهائي حتى أن البعض وصل لإغلاق الحدود ومنع التنقل والسفر؛ قد يرد على هذا التساؤل بأنه مجرد ظرف مؤقت وبعد الشفاء "أي ايجاد المصل لفايروس كورونا (COVID-19)" ستعود الحركة التجارية العالمية والأسواق وحركة الطيران كما كانت. ولكن الفكرة تعدت هذا الجانب ضيق التفسير؛ فماذا يعني عدم اكتراث أوروبا بإيطاليا وإسبانيا في ظل ظرف عصيب يمر على العالم أجمع وخَص هذه الدول بأنها الأكثر تضرراً بشكله الأولي، ورغم كل التعاون والاتحاد بين الدول الأوروبية، إلا أن الدول الأوروبية بمعظمها أغلقت حدودها؛ وتركت كل واحدة تنعى شأنها بِشكلٍ منفرد؛ أهذا هو الاتحاد الليبرالي ذو الطابع التعاوني والإنساني؟ والمثال الأول في رسم المبادئ المعيارية التي تقوم عليها الليبرالية في بعديها السياسي والاقتصادي، الأول حيث تسود الأفكار المبنية أولاً على التعاون والمشاركة وما يتبعها من أسس ديمقراطية ونشر العدالة والأهداف النبيلة التي تتمثل بحقوق الإنسان ورعايتها.... وغيرها، والثاني ما يعطي للسوق الحرية في رسم سياساتها.

استمرار الإغلاق العالمي للأسواق وحركات البضائع بين الدول، بالتأكيد هي الطريق للركود الاقتصادي العالمي حتى مع تدخل الدولة في هذا الظرف الاستثنائي ذي الطابع "الحديث وغير المؤكد زمنياً من حيث المدة التي يحتاجها للخروج منها"، فالمصانع والورش، أصحاب المهن، الأسواق التجارية، المطاعم، المقاهي، دور العرض، كل شيء توقف، وكأن فاصلاً زمنياً حدث، ما خلق اضطراباً عالمياً في الأسواق، ولم تعد المقاييس الاقتصادية قادرة على التنبؤ البسيط، وبالتالي النتيجة المترتبة الخسارة الفعلية للجميع دون استثناء، والقراءات المبدئية تؤكد صحة هذا الادعاء؛ فمعظم الدول وضعت وأقرت خططاً للمواجهة، منها ما هو مالي لمن يستطيع وقادر ويمتلك الموارد لذلك، ومنها ما وضح على أنه إجراءات وقائية وكلاهما درء للضرر المتوقع وخوفاً من السقوط.

 موضوع دراسة العلاقة بين الفايروس والركود الاقتصادي بالتأكيد علاقة طردية، وسيجعل الاستمرار بالركود انهيارات متتالية للمنظومة الهرمية ابتداءً من الفرد الذي سيكون الضرر شامل له، والمهن والصناعات البسيطة وصولاً للشركات الصغيرة حتى القابضة. وهذا يعني عدم قدرة الاقتصاد على الاستمرار دون تدخل الدولة، وتدخل الدولة يجعل من فكرة إعادة النظر بشكل الحكم وأدواته في الداخل والخارج "مركزية" أي التحول من الليبرالية والبدء بالسقوط التدريجي لها؛ إذا ما تعدى مسؤولية الدولة في إنعاش السوق، دون تدخل أصيل في العملية الاقتصادية والتي قد لا تنجح دون ذلك!.

ماذا سيرد الليبرالي في دفاعه، أم أنه سيسلم لوفاة الليبرالية، ويعطي الحق لفكر أو نظرية أخرى تثبت العكس أو تعطي منظورا آخر للتفسير؛ قد لا نجد رداً في الوقت الحالي على هذا الادعاء، حيث الصدمة قوية، وفي بدايتها، ولا يمكن أن يتم معالجتها بسرعة وبسهولة؛ فيحتاج الأمر أولاً الانتصار على الوضع القائم، ومن ثم عملية مركبة "تحديث ومعالجة"؛ للتنظير، لما طرأ من تغيرات لم تكن بالحسبان على الفكر والمنهج الليبرالي ذي الخلفية الغربية.

رسم الإجابة سيحدده الوقت، وسيبين الثمن جيداً: هل كنا في جوف المصلحة؟ أم أننا فعلاً كنا في تعاون ولكن الضرورات تسمح بالتنصل منها للضرورة التي تقدر في حينها؟.

المحامي حاتم أبو هليل