تقرير: عُلا موقدي
سيظل عيد الأم هذا العام مختلفا.. ذلك أن فيروس كوفيد-19 المستجد "كورونا" الذي يجتاح العالم، من أقصاه الى أقصاه، قلب الحياة العادية للبشر بمختلف مشاربهم وأديانهم، وجعل جل اهتماماتهم التضرع والابتهال الى الله بالنجاة والسلامة.
على هذا النحو، احتفل غالبية الأبناء، لا سيما من أرباب الأسر الذين يعشون بشكل مستقل، بيوم الأم، بعيدا عن أمهاتهم  لتجنيبهن شر العدوى بالفيروس القاتل، وسط اجراءات الحجر البيتي وتدابير السلامة التي يتبعونها، لتكون هديتهم المثالية بذلك، إبعادهن عن خطر الإصابة بالفيروس والتمنيات لهن بالسلامة وطول العمر.. وهي دعوات اقترنت بتوصيات الأطباء والمختصين بضرورة توخي الحذر واتباع أقصى درجات السلامة والوقاية والرعاية الخاصة لكبار السن، لحمايتهم من فيروس "كورونا".
ولعل أبرز الغائبين عن الاحتفال الاعتيادي، وعن بيوتهم وأمهاتهم هذا العام في هذه الأوقات، كانت فئة "الأطباء"، والذين استدعت الحاجة الملحة وجودهم في أماكن عملهم، من أجل انقاذ الأمهات والأبناء والآباء، وكافة شرائح مجتمعنا الفلسطيني.
وكما صور عديدة انتشرت من مختلف أماكن العالم، لأطباء يسهرون ويعملون بمشقة في المستشفيات ومراكز الحجر الصحي، من أجل توفير الرعاية اللازمة لمرضى كورونا المستجد، يتابع أطباء وطبيبات فلسطين عملهم في مختبرات الفحص والمستشفيات في ظروف معقدة ألزمتهم الابتعاد لأيام وأسابيع حتى الآن عن ذويهم.
الدكتور محمود العموري، والذي يسكن في مدينة رام الله، اضطر أن يمضي عيد الأم بعيدا عن والدته، كونه مقيم في أحد مراكز العناية الطبية لمساعدة المصابين بفيروس "كورونا".
"ربنا يعطيها الصحة وطولة العمر وتبقى منورة حياتنا، لم أكن قادرا على التواجد معها هذا اليوم، خوفا عليها وعلى صحتها" قال العموري، وأضاف "مؤلم كثيرا أن يكون الشخص بعيدا عن والدته فترة من الزمن، وخاصة اليوم بمناسبة عيد الأم فأنا لم أراها  منذ بدء انتشار الوباء"، مشيرا الى أنه اعتاد في كل عام أن  يشتري الهدايا المميزة مسبقا ويجتمع هو واخوته وأخواته في منزلها، بما يعكس حبنا وتقديرنا لها.
مراد مناصرة من بلدة بني نعيم في الخليل ويسكن مدينة رام الله، ويعمل في مختبر الفحوصات في مستشفى هوغو تشافير ببلدة ترمسعيا، قال: "منذ ثلاثة أسابيع لم أرَ والدتي، لأنني أقوم بشكل يومي بعمل ومتابعة الفحوص الخاصة بكورونا، حاولت مرات كثيرة أن أزورها لكن الظروف الحالية لم تسمح لي حتى الآن".
وبين: "أطمئن والدتي كل يوم عن حالي وصحتي، وخاصة التزامي بإجراءات الوقاية، والتعقيم واللباس الخاص لمنع انتقال العدوى لي".
مناصرة كتب لأمه، في رسالة: عند الحديث عنك تتوقف كل المعاني والكلمات.. انت جنة الله على الأرض.. أتظنين يا أمي أن كلمة من قاموس اللغة تجرؤ على أن تقول لك كم أنتِ عظيمة.. أدامك الله لنا بصحة وعافيه.. ولكن يا أمي هي فلسطين من نادت، وأنا للنداء ملبٍ.. احبك جدا.. وكل عام وانت بألف الف خير".
لم يختلف الحال كثيرا عند فني التخدير محمود حجاج من بلدة بيت ريما غرب رام الله، والذي قال: "أعمل منذ اسبوع في مركز الحجر الصحي بمستشفى هوغو شافيز في بلدة ترمسعيا، كنت اتمنى أن اكون في هذا اليوم  مع أمي الغالية، لكن خدمة الأم فلسطين أكبر من أي مشاعر أخرى".
وأضاف: "اتصلت بها هاتفيا في ساعات الصباح الباكر، كسبت رضاها ودعواتها لي ولكافة الطاقم الطبي المتواجد لخدمة أبناء الشعب الفلسطيني".
هكذا، أحدث وباء "كورونا" هذا العام انقلاباً عاماً، تكاد الأسواق تكون شبه خالية في مدن الضفة الغربية، بعدما كانت في السنوات الماضية تعّج بالمشترين الفرحين بقدوم يوم الأم، كمناسبة هامة تعبر عن تقدير الأبناء لأمهاتهم.
الطبيبة هبة يوسف والعاملة  في أكثر من مستشفى في الضفة قالت: "يمكننا أن نرسل لها القبلات من وراء شاشة الهاتف، والاطمئنان بأنها بصحة جيدة، ذلك الأفضل لها، في ظل تفشي فيروس كورونا".
فيما قالت الممرضة هناء عامر وهي صاحبة صيدلية: أرسلت لوالدتي هذا العام علبة من المعقمات، والديتول، والمزيد من المواد التموينية الصحية، لم أكن أتخيل أن اقدم هدية كهذه لوالدتي في إحدى السنوات الماضية، حيث كنا نفكر في هدايا تضيف المزيد من الأواني في مطبخها، وأخرى لتزين المنزل، لكن اليوم باعتقادي أن المعقمات هي الهدية المثلى لها.