تقرير: الحارث الحصني
يعيش المواطنون في مناطق مختلفة من الأغوار الشمالية، حياة تنعدم فيها البنى التحتية لكل شيء، فرغم وجودهم فوق ثاني أكبر حوض مياه في فلسطين، إلا أنهم يحصلون على أقل من خُمس الكمية الإجمالية.
الاحتلال الإسرائيلي، الذي استولى على الأرض، يدمر جل مشاريع البنى التحتية المقدمة لمساعدة المواطنين، عدا عن استيلائه على مصادر المياه الجوفية والسطحية، فإيصال المياه الجوفية "إن توفرت" إلى المواطنين، يحتاج لبنية تحتية قوية، لكن الاحتلال يمنع إيجاد تلك البنى.
المعطيات الواردة على الموقع الالكتروني لمركز حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" تقول: "توجد عشرات البلدات التي لا تتيح سلطات الاحتلال وصلها بشبكة مياه، فيضطر سكّانها إلى شراء المياه المنقولة بالصهاريج طيلة أيّام السنة بتكاليف باهظة".
وكثيرا ما تكون كلفة توصيل المياه إلى هذه البلدات عالية جدا، بسبب الطرق غير المعبدة المؤدّية إليها حيث يمنع الاحتلال أصلا شقّها.
ويفيد مسح أجرته وكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" عام 2013، أن عدد هذه البلدات كان آنذاك 180 بلدة، تقع جميعها أو جزء منها في المناطق المصنفة "ج"، يقطنها 30 ألف شخص.
ويعتمد تواجد المواطنين في الأغوار الشمالية على وجود المياه بشكل وفير، يمكنهم من مجابهة الظروف بالحد الأدنى، لاستمرارية الحياة في واحدة من أكثر المناطق التهابا.
يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: منذ احتلال الأغوار الشمالية عام 1967، بدأت سلطات الاحتلال بتدمير البنية التحتية المائية للفلسطينيين، باتباع كثير من السياسات.
خلال السنوات الأربع الماضية، استهدف الاحتلال عشرات المشاريع المائية المقدمة من المؤسسات المانحة للمواطنين في الأغوار الشمالية، وهذا ما جعل الكفة تميل لصالح المستوطنين في الحصول على المياه.
يضيف دراغمة، الذي ينشط في توثيق الأحداث اليومية في الأغوار الشمالية: "الاحتلال يستهدف كل مصادر المياه التي تخدم المواطنين، إنه يعمل بجهد لحرمانهم من حقهم المائي".
في الواقع لا يوجد بنى تحتية مائية متقدمة تخدم المواطنين بالمياه، لذا فهم يعتمدون على الصهاريج، والخطوط الناقلة لجلب المياه إلى مضاربهم، وآبار جمع المياه، وحفر البرك.
في الصورة المقابلة، يمكن مشاهدة مضخات المياه الضخمة، والخطوط الناقلة للمياه، التي تصل إلى قلب المستوطنات.
وبحسب دراغمة، فإن الاحتلال في السنوات الأخيرة الماضية، جفف 26 نبع مياه، واستولى على 27 صهريجا بسعة 3 أكواب، ودمر 15 بركة.
ونشرت "بتسيلم": أن السلطات الإسرائيلية تسعى من وراء سياساتها إلى ترحيل سكّان التجمّعات عن منازلهم".
وفي دراسة أعدها مركز عبد الله الحوراني، بعنوان: "الأغوار الشمالية بين مطرقة الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين، تعطيش الأغوار... جريمة ضد الإنسانية"، فإن معدل استهلاك المستوطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني.
هذه الأيام، تبدأ الحرارة بالاعتدال، ثم يتبع ذلك ارتفاعات، وعليه فإن الحاجة للمياه تزداد بشكل مضاعف عما كانت عليه في الشتاء.
ويرى مواطنون من الأغوار، أن استهداف الاحتلال مشاريع المياه هو وجه من وجوه الحرب عليهم.
يقول ذياب دراغمة واحد من سكان خربة "سمرة" بالأغوار الشمالية، إنهم في الصيف يحتاجون 10 أكواب مياه كل ثلاثة أيام.
وبعد عمليات التدمير التي تنفذها سلطات الاحتلال لكل ما يخص المياه في الأغوار، يبدأ المواطنون بشراء المياه من أماكن بعيدة بأثمان باهظة.
يقول دراغمة: "يصل سعر الكوب المشترى في الأغوار الشمالية إلى 35 شيقلا، هذا سعر ثقيل على المواطنين".
بالمجمل يستفيد من مشاريع المياه في مناطق الأغوار نحو 70% من السكان، خاصة الذين يسكنون في المناطق النائية، التي تحرّم سلطات الاحتلال عليهم إيجاد بنى تحتية عصرية للمياه، تمكنهم من الاستفادة منها.
لكن، تبدو صورة مشاريع المياه التي تخدم المستوطنين في الحديدية مناقضة لما يؤول إليه مصير المشاريع المائية المقدمة للمواطنين الفلسطينيين.
وعلى مقربة من خيام برهان بشارات وهو أحد سكان المنطقة، تمتد خطوط ناقلة للمياه تابعة لشركة "ميكروت" الإسرائيلية، يمكن سماع صوت المياه الجارية فيها من مسافة 20 مترا.
يقول بشارات: "يكون صوت المياه قويا، لم نحصل من المياه إلا على صوتها وهي ذاهبة إلى المستوطنات".
قبل أربع سنوات، دمرت قوات الاحتلال خط مياه ناقل من قرية عاطوف إلى الحديدية، لنقل المياه للسكان، واستولت عليه.
وبحسب دراغمة، فإن الاحتلال استولى خلال الأربع سنوات الماضية على 60 كم من الخطوط الناقلة للمياه.
وفي حال انعدام مصادر المياه، فإن المواطنين يتجهون لشرائها من أماكن بعيدة عن سكناهم، وبالنسبة لبشارات، الذي تعتمد عائلته على الرعي بشكل تام فإن تواجد الماء هو أساس البقاء.
وبحسب الأرقام التي ذكرتها "بتسيلم" على موقعها الالكتروني، فإن معدّل استهلاك المياه اليوميّ في التجمّعات الواقعة ضمن مناطق "ج"، يقارب 20 لترًا للفرد الواحد، وهم يشترون المياه المنقولة بالصهاريج بأسعار تبلغ أضعاف سعر المياه المزوّدة عبر الأنابيب.
"لا ماء.. لا حياة". قال بشارات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها