تقرير:  عماد فريج

توّج إعلان المحكمة الجنائية الدولية، سعيها للتحقيق في ارتكاب الاحتلال جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، الجهود التي بذلتها وتبذلها الدبلوماسية الفلسطينية على مدار الساعة لترسيخ الشخصية القانونية لدولة فلسطين، وللدفاع عن شعبنا وحقوقه المكفولة بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

يضاف هذا الإنجاز الذي تحقق للدبلوماسية الفلسطينية، إلى رصيد إنجازاتها المتتالية في السنوات الأخيرة، والتي نجحت خلالها في تثبيت الحضور الفلسطيني على الساحة الدولية، وحصد المزيد من الاعترافات بدولة فلسطين، وتعميق العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، إلى جانب ترؤس مجموعة الـ77+الصين التي تضم 134 دولة، وتوالي انضمام دولة فلسطين لعشرات المنظمات والاتفاقيات الدولية، منذ انتخابها "دولة مراقب" في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2012.

ويلقي إعلان المحكمة الجنائية الدولية الأخير، مزيداً من المسؤولية على عاتق وزارة الخارجية والمغتربين، التي بدأت فعلياً بالتحضير للعمل القانوني فيما يتعلق باستكمال ملفات المحكمة وتشكيل الفرق في كافة التخصصات والتشبيك مع الشركاء من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الانسان ونقابة المحامين، إضافة إلى فريق المحامين الدوليين للإعداد المحكم للفترة المقبلة.

وقال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، إن الرئيس محمود عباس منح كامل الصلاحيات من أجل التحضير للعمل القانوني، وسيتم دراسة كل الخيارات والاحتمالات للتحضير لأي خطوة استباقية ممكن أن تتم من طرف اسرائيل تجاه المحكمة الجنائية الدولية.

الترحيب الفلسطيني بإعلان المحكمة الجنائية الدولية، قابله حالة من التخبط والرعب في الجانب الإسرائيلي، وأعرب مسؤولون إسرائيليون عن خشيتهم من فتح المحكمة تحقيقًا جنائيًا، الأمر الذي سيؤدي إلى موجة من الدعاوى القضائية ضد عدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين، بما في ذلك احتمال اعتقالهم لدى دخولهم إلى دول أجنبية.

رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جمّد مشاورات حول مخططات ضم الأغوار ومناطق من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، تحسبا من الجنائية الدولية. في حين أعلن وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس، أن "إرجاء إخلاء وهدم قرية الخان الأحمر قرب القدس، جاء خشيةً من المحكمة الجائية الدولية، وحتى لا تكون هذه الخطوة بمثابة القشة الأخيرة بالنسبة للمحكمة".

وأكد المالكي أن ردود الفعل الإسرائيلية تعكس المخاوف الكبيرة لديهم وهو ما يثبت بأن الاجراء الذي تم القيام به بالتوجه نحو الجنايات الدولية كان صحيحا، وكذلك الانضمام الى معاهدة روما "وانتظارنا كل هذا الوقت حتى نضجت الأمور في المحكمة ووصلت الى الاستنتاج الأخير الذي يعد في غاية الأهمية، وهو ما يتطلب العمل بكل دقة وهدوء والتحضير للخطوة المقبلة".

وتتواصل الجهود السياسية والدبلوماسية في هذا الإطار، خاصة أن الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية لديها 120 يوماً قابلة للتمديد لمدة 60 يوماً أخرى، وذلك للبت في الدعاوى التي قدمتها المدعية العامة فاتو بنسودا.

وقال مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين، إن قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية، يعد نقلة نوعية في مسار القضية الفلسطينية، وسيتبعه مشوار طويل، يحتاج لجهود قانونية كبيرة واحترافية.

وأضاف: "قدمنا ما يقارب الخمسين بلاغاً من الجانب الرسمي الفلسطيني والمؤسسات الحقوقية للمدعية العامة، وإسرائيل قدمت أكثر من سبعين بلاغاً للمحكمة، والتي جندت مؤسسات ومنظمات تعمل لصالحها، لتقديم بلاغات ضد فلسطين لدى الجنائية الدولية".

وأوضح أن المدعية العامة تنتظر إجابة من الدائرة التمهيدية حول السؤال القانوني المتعلق بالاختصاص المكاني لدولة فلسطين. وقال: "نحن واثقون من الأرضية القانونية للإجابة على هذا السؤال، ولدينا كامل الثقة من أن الأمر سينتقل للتحقيق".

بدوره، أعلن الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب، رئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني حسين شبانة، إنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة قانونية خاصة تضم وزير العدل محمد شلالدة، والمستشار القانوني للرئيس علي مهنا من أجل متابعة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية بعد قرار المدعية العامة الأخير.

وأوضح شبانة أن هذا الاتفاق جاء خلال لقاء قانوني عقد بدعوة من رئيس اتحاد المحامين العرب، نقيب المحامين المصري مع نقيب المحامين الفلسطينيين جواد عبيدات وحضور شبانة كممثل للاتحاد مع سلامة بسيسو من غزة.

وأضاف أن رئيس الاتحاد دعا الى أهمية عقد لقاء قانوني موسع يضم رؤساء النقابات والمختصين القانونيين العرب إلى جانب نقابة المحامين الفلسطينيين لتحضير الملفات وتجهيزها إلى جانب إمكانية زيارة اتحاد المحامين العرب الى المحكمة الجنائية الدولية لدعم موقف المدعية العامة في هذا الشأن.

وأشار إلى أن أكثر من خبير في القانون الجنائي يحملون درجة الدكتوراه أكدوا أنهم أعدوا ملفات خاصة لدعم موقف فلسطين من أجل محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم وأيضا دعم موقف المدعية العامة للجنائية الدولية وإسناده.

مساعد وزير الخارجية للعلاقات متعددة الأطراف السفير عمار حجازي، قال لـ"وفا" إن "المحكمة الجنائية الدولية وحسب دليل إجراءات عملها، لديها 120 يوما بعد قبول الدعوة التمهيدية، لاصدار قرار بشأن الطلب المقدم من المدعية العامة بنسودا، ودورنا في الخارجية سيكون المشاركة بالإجراءات القضائية أمام الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة، وهي التي قدم الطلب لها".

وأضاف "سندعم باتجاه الترافع في القضية أمام الجنائية الدولية بالاعتماد على محاميين دوليين مختصين، وليس لدينا شك أن الأمور ستمر من الدائرة التمهيدية التي سبق لها التعامل مع مسائل قانونية في فلسطين، ونتوقع أن يصدر قرار إيجابي يؤكد ما تقوله المدعية العامة، بأن لها اختصاص اقليمي على أرض دولة فلسطين، بما يشمل القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة".

وأشار إلى انه في حال صدور قرار سلبي عن الدائرة التمهيدية، ستلجأ المدعية العامة للاستثئناف، وستشارك دولة فلسطين في الاجراءات القضائية أمام الاستئناف.

وأكد السفير حجارزي أن دولة فلسطين بتقديم الإحالة للمحكمة الدولية، منحت المدعية العامة قرارا بفتح تحقيق دون الحصول على أذن محكمة، وحتى لو أصدرت المحكمة قرارا سلبيا بعدم وجود اختصاص اقليمي يمكن فتح تحقيق جنائي دون الحصول على إذن من المحكمة الدولية.

وأوضح أن الغرض المقصود من طلب المدعية العامة إلى الدائرة التمهيدية الاولى في شأن الاختصاص الاقليمي، كان قطع الطريق على أي محاولات من دولة أو منظمات لتقديم اعتراض على اختصاصها كمدعية عامة او اختصاص المحكمة أثناء السير في إجراءات التحقيق، ما قد يؤدي إلى تعطيل إجراءات التحقيق أو إطالة أمده.

وبيّن أن الغرض الآخر من ذلك، تعزيز موقف مكتب المدعية العامة بمعنى أن المدعية العامة وفي حال صدور قرار إيجابي سيصبح موقفها أقوى، وسيمكن الدائرة التمهيدية الأولى أن تعتد به أمام الدول ويكون ملزما، ولا تسطيع أي دولة أو جهة أن تعترض على قرار صادر عن محكمة دولية".