ليست الحياةُ ورقةَ "يانصيب" يختبئُ بينَ أرقامِها سرُّ تجسيدِ الحُلمِ وتحقيقِ الأهدافِ الكبرى بضربةِ حظٍّ لا تكلّفُ صاحبَها لا تعبَ المحاولةِ وفشلَها وإعادةَ تكرارِها، ولا جُهدَ المثابرةِ والتصميمِ وتطويعِ الصّعابِ لخدمةِ الهدفِ والفكرةِ التي تحرّكُهُ وتضبطُ اتجاهَ المسيرةِ للوصولِ إليه. ولو تُرِكَ أمرُ المستقبَلِ للحظِّ لاكتفينا بملاحظةٍ تُقعِدُنا في منازِلنا، وهي أنَّ عددَ ضحايا حوادثِ السّيرِ تفوقُ بكثيرٍ عددَ الفائزينَ في لعبةِ "اليانصيب" العمياءِ. ما الذي يميّزُ إذنْ بينَ فشلِ المُجدِّ وبينَ انحيازِ الحظِّ أحياناً للكسولِ الذي لا يكلّفُ نفسَهُ عناءَ التّفكيرِ بالمحاولةِ وطرْقِ بابِ التجربة؟

 

لو كانت الحياةُ ضربةَ حظٍّ لجرى الطفلُ مُسرعاً على قدميهِ بمجردِّ قدومِهِ للحياةِ، لكنَّ الوليدَ هو الذي "يبني" مداميكَ حظّهِ بالمشي على ساقَيْهِ عبرَ عامٍ كاملٍ من المحاولاتِ والتعثّرِ والسّقوطِ مع ما يرافقُ ذلكَ من "خسائر" باهظةٍ أحياناً، ولا تقوى كلُّ أصنافِ المشقّةِ على ثَنْيِ طفلٍ عنْ الاستمرارِ في شقِّ طريقِهِ إلى حظّهِ المؤكّدِ بالنصرِ، فليسَ للطفلِ خيارٌ سوى الإصرارِ على النهوضِ بعدَ كلِّ محاولةٍ فاشلةٍ، لأنَّ المشيَِ هو حظّهُ الذي لا يملكُ أيَّ خيارٍ سواهُ، اللهمَّ إلا إذا رضيَ بالبقاءِ زاحفاً أبدَ الدّهرِ، وهذا ليسَ خياراً يليقُ بالبشَر. لا تتوقّفُ حياةُ الطّفلِ عندَ محطّةِ تثبيتِ الخطى والارتكازِ بثباتٍ إلى أرضٍ تعطيهِ فرصةَ ممارسةِ الحياةِ كما يمارسها الآخرونَ، لكنّها بدايةُ رحلةِ الحياةِ في تحديدِ أهدافٍ جديدةٍ تكبُرُ مع تراكمِ تجاربِ تحقيقِ أهدافٍ أصغرَ وأقلَّ كلفةً. فالبحثُ عن الحظِّ هو عمليّةٌ مستمرّةٌ من التصميمِ على تحديدِ شكلِهِ ورسمِ خارطةِ الوصولِ إليهِ ورصْدِ ما نحتاجهُ من مستلزماتِ شقِّ الطريقِ إليه. هكذا يبني الأفرادُ سرَّ النّجاحِ ويُرغمونَ الحظَّ على التّحالفِ معهُم ومرافقتِهم، فالحظُّ صديقُ الواثقينَ بأنفسِهِم وبقدرتِهم على التغَلّبِ على نزعةِ التكاسلِ والتردّدِ والبحثِ عن الحلولِ السهلةِ.

 

ليست الشّعوبُ سوى خليّةِ عملٍ متكاملةٍ تضعُ لنفسِها أهدافاً تتناسبُ مع احتاجاتِها، ولا يمكِنُ لأيِّ شعبٍ أن يُتقنَ فنَّ الوصولِ إلى أهدافِهِ الكبرى دون التزامِ أعضاءِ الخليّةِ بإنجازِ ما يناطُ بهم من مهامَّ، فلا سبيلَ إلى الوصولِ إلى هدفٍ جماعيٍّ إذا كانت الأغلبيّةُ أفراداً من الفاشلينَ والعاجزينَ عن القيامِ بأدوارِهم مهما كانَ حجمُها، إذْ ليست محصّلةُ مسيرةِ شعبٍ نحو هدفِهِ سوى محصّلةِ تراكمِ جهودِ أبنائهِ، فلا "ضربةَ حظٍّ" ولا ورقةَ "يانصيب" تنتظرُ حزباً أو حركةً أو شعباً أو تنقذِهَ من قبضةِ عجزِ وكسَلِ أبنائه. هكذا يفهمُ شعبُنا تاريخَهُ القديمَ والحديثَ، فهو لم يتوقّفْ يوماً عن محاولاتِ تطويعِ الواقعِ وقهرِهِ، ولم توقِفْهُ سلسلةُ العثراتِ ومحطّاتُ التوقّفِ الإجباريِّ عن النهوضِ ومواصلةِ المسيرةِ نحو "حظِّ الانتصارِ" المخصّصِ للمتمسّكينَ بحمايةِ الفكرةِ وعدمِ حرْفِ الأنظارِ عن الهدفِ النّهائيِّ. ولو أنَّ شعبَنا قد أصابَهُ المللُ أو اليأسُ من تكرارِ المحاولةِ أو تنازلَ عن واجبِ الصّمودِ والنهوضِ مجدّداً لإكمالِ طريقهِ لأجبرَ نفسَهُ على الخضوعِ للأعداءِ والقبولِ بالاستسلامِ لهم، تماماً كما أنَّ الطّفلَ سيقبلُ بالبقاءِ زاحفاً على الأرضِ لو تخلّى أمام تعثّرِ خطواتِهِ عن حقّهِ وواجبهِ بالوقوفِ على ساقَيْهِ والمشي منتصبَ القامةِ مرفوعَ الرأس.

 

*الحظُّ حليفُ المثابِرِ سواءً كانَ فرداً أو مجموعةً أو شعباً بأكملِهِ، والنّصرُ "حظُّ" شعبِنا ما دامَ متمسّكاً بشرفِ المحاولةِ وتكرارِها ورافضاً لأيَّ خيارٍ لا يضمنُ لهُ حقّهُ بالوقوفِ فوق أرضهِ بصلابةٍ وبهاماتٍ شامخةٍ.

 

١٦-١٢-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان