(كبُرَ مقتًا عندَ اللهِ أنْ تقولوا ما لا تفعلون).. بهذه الآيةِ جعلَ اللهُ النّفاقَ في مصافِّ كبائرِ الآثامِ والخطايا، ووضعَ المنافقينَ في منزلةٍ لا ينازعُهم عليها أحدٌ، فلا درجةَ للبغضاءِ والكراهيةِ أعلى من درجةِ المَقْتِ، لأنه يشملُ كلَّ معاني الاشمئزازِ والنّفورِ وتجنّبِ الاقترابِ من المَمْقُوتِ، وبذلك يكونُ المنافقُ والمنبوذُ سيّان. النّفاقُ إذن أنْ يقولَ المرء شيئًا ويمارسَ ضدَّهُ، وهنا مَكمَنُ الخطورةِ في هذا الخللِ المسلكيِّ الذي يتجاوزُ في آثارهِ آفةَ الكَذبِ بكلِّ ما فيها من رذيلةٍ وتطاولٍ على الحقيقةِ.

 

ليسَ النّفاقُ مصطلحًا يقتصرُ على الجانبِ الدّينيِّ، حيثُ يدّعي المنافقُ الإيمانَ ويُبْطِنُ الكُفرَ، لكنّهُ مصطلحٌ يمتدُّ استخدامُهُ ليشملَ كلَّ نواحي الحياةِ الاجتماعيةِ، ولا يوجدُ بابٌ واحدٌ من أبوابِ السلوكِ اليوميِّ يمكنُ استثناؤهُ أو اعتبارُهُ محصّنًا ضدّهُ، لكنَّ تزايدَ خطرِ هذا الانحرافِ السّلوكيِّ يبدو أكثرَ وضوحًا وفتْكًا عندما يتعلّقُ الأمرُ بالشأنِ العامِّ ويصلُ إلى السياسةِ والإدارةِ بكلِّ ما لها من تأثيرٍ على العلاقاتِ الاجتماعيّةِ وعلى حياةِ الأفرادِ والجماعاتِ والأحزاب. فالنّفاقُ هو النّقيضُ القاتلُ للرقابةِ والتّقييمِ والمكافأةِ والمحاسبةِ، فلا شيء يسيءُ لقضيّةٍ أو مسألةٍ عامّةٍ مثلما يسيءُ إليها من يتنطّحُ لإنجازها ويتظاهرُ بالتفاني من أجلِ ذلكَ بينما يرى النّاسُ بوضوحٍ سلوكَهُ المتناقِضَ مع القضيةِ التي يدّعي النضالَ من أجل نجاحِها. لقد اكتسبَ الشّعبُ خبرةً تمكنُهُ من التّمييزِ بين الغثِّ والسّمينِ ولم يعُدْ باستطاعةِ أحدٍ أن يخفي عنهُ بسهولةٍ ما يخشى من وصولِهِ إلى مسامعهِ، لكنَّ ذلكَ لا يعني استعدادَ المنافقينَ للتخلّي الطّوعيِّ عن ازدواجيّةِ سلوكِهم التي تنمُّ قبلَ كلِّ شيءٍ عن احتقارِهم لعقولِ النّاسِ، وهي تعبيرٌ عن السّعيِ إلى إيثارِ المنفعةِ الخاصّةِ على المصلحةِ العامّةِ، وهذا ما يؤدّي إلى الإدمانِ على استخدامِ كلِّ الطُرقِ والأساليبِ لتحقيقِ المنفعةِ دونَ الاهتمامِ بمدى تطابقِ هذهِ الطرقِ مع القانونِ أو الأخلاقِ والعاداتِ والثقافةِ وغيرِها من ضوابطِ العملِ مهما كانَ مجالُهُ وأثرُهُ على البيئةِ الاجتماعيّةِ التي يعملُ فيها المنافِق.

 

لا بدَّ من تحصينِ المجتمعِ ومؤسّساتِهِ ليكونَ قادرًا على سدِّ الطريقِ في وجهِ المنافقين، ولتحقيقِ هذهِ المهمّةِ يجبُ اعتمادُ الرّقابةِ الدّائمةِ والتقييمِ الدوريِّ وتطبيقِ مبادئ المحاسبةِ على الأفعالِ ونتائجِها. فلا يستطيعُ المنافقُ ترويجَ ذاتِهِ في بيئةٍ تمتلكُ أدواتِ القياسِ واستخلاصِ النّتائجِ، لذلكَ يكثُرُ المنافقونَ كلّما انتشرَ الفسادُ وعمّ تجاهُلُ القانونِ، وكلّما كانت المؤسّساتُ -بغضِّ النظرِ عن طبيعةِ عملِها- أقلَّ التزامًا بمعاييرِ الشّفافيةِ والالتزامِ بالقانون، فالمنافقُ هو أصلُ الفسادِ وراعيهِ وثمرَةُ شجرتِهِ السّامّةِ، وهو الكابحُ المعيقُ لحركةِ الشّعبِ نحو مستقبلٍ أفضل.

 

*نبذُ ثقافةِ النّفاقِ واجبٌ أخلاقيٌّ ووطنيٌّ لا يقلُّ عن واجبِ محاربةِ المخدّراتِ والإتّجارِ بالبشر، فمحاربةُ المنافقينَ هي مقياسُ الالتزام بالتصدّي لكلِّ الظواهرِ الاجتماعيّةِ التي توفّرُ التربةَ الخصبةَ لنشرِ اليأسِ والإحباطِ وفقدانِ الثّقةِ بالمستقبَل.

١٣-١٢-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان