في مقابل سلطة المعرفة، وهذه كان المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد قد كشف بقراءة تحليلية للنصوص الاستشراقية الغربية في كتابه الشهير "الاستشراق" كشف عن أهميتها وقدرتها على السيطرة والتغيير، في مقابل هذه السلطة، هناك سلطة الجهل، التي لا تعرف في المحصلة غير الاستبداد الذي هو أقبح أنواع الاستبداد بكونه استبداد الجهل على العلم والمعرفة، مثلما كتب عبد الرحمن الكواكبي في "طبائع الاستبداد".

وسلطة المعرفة هي سلطة العقل والحكمة كلما كانت محمولة على القيم الانسانية النبيلة فلا تقود لغير التنور والتطور وبناء مجتمع الكرامة والحرية والعدل والسلام.

اما سلطة الجهل فهذه لاتقود في المحصلة إلا إلى الهاوية، لا بحكم عنفها الاستبدادي فحسب، وإنما كذلك بحكم انفصالها عن الواقع، وعدم قدرتها على رؤية معطياته وحراكه الطبيعي!! 

ولا نص عند سلطة الجهل غير نص الفتاوى، التي غالبًا ما أنزل الله بها من سلطان، إضافةً إلى نص الخديعة الذي تراه ممكنًا على الدوام في جملة الشعارات البراقة، مثلما تراه ممكنًا في الادعاء الشعبوي الاستهلاكي، الذي عادة ما يتنقل بين نقيضين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما أعلنته حركة "حماس" بصدد الانتخابات التي دعا إلى إجرائها الرئيس أبو مازن، فهي قالت أول مرة في بيان صحفي لها، إنها مع هذه الانتخابات شرط التوافق، ثُمَّ قالت ثانيًا في تصريح لوصفي قبها إنَّ هذه الانتخابات تريد تكريس الانقسام ورفض المصالحة (!!) بما يعني رفضها لها، ثُمَّ عادت مرة ثالثة لتقول في تصريحات لمشير المصري إنها مع الانتخابات وأيضًا شرط التوافق!!

ولا يكف نص الخديعة عن الافتراء ومن ذلك مثلاً ما يقوله هذا النص الآن عن نجاح السلطة الوطنية، بعد منازلات مضنية، في استرداد بعض من الأموال الفلسطينية التي استقطعتها (إسرائيل) على نحو تعسفي ودون وجه حق، بأن هذا الاسترداد يشكل ضربة في خاصرة المقاومة (!!!) وهو الاسترداد الذي أكد عضو مركزية "فتح" حسين الشيخ، أنه لا يعني التراجع عن ثبات الموقف الوطني بشأن رواتب الشهداء والأسرى، والإصرار على استردادها، ودفعها مهما كان الثمن.

ولا ندري أية مقاومة تعنيها "حماس"، ما لم نأخذ بالحسبان "الصراف الآلي" الذي سلّم لإسرائيل كشوفات بأسماء المقاومين (!!) لأغراض الصرف الشهري!! وبالطبع ليس بوسع سلطة الجهل سوى أن تكون في هذا الوضع، الذي يصح عليه الوصف بأنه وضع "حيص بيص" الوضع الذي يعني اختلاط الأمور واشتدادها وليس على الناس هنا وإنما على أصحاب هذه السلطة!! وللعلم فإنَّ حيص بيص هو الوصف الذي قاله الشاعر العربي "أبو الفوارس التميمي" حينما رأى الناس في ارتباك وفي حيرة من أمرهم فقال: "ما لي أرى الناس في حيص بيص" فذهب هذا الوصف مثلاً بعد أن صار لقبًا له.