يملكُ الفلسطينيُّ قدرةً فائقةً على تحمّلِ مشاقِّ الحياةِ والصّمودِ أمامَ تحدّياتِها المتواصلةِ، وتكادُ هذهِ القُدرةُ أنْ تكونَ صفةً وراثيّةً يتناقلُها أهلُ فلسطينَ جيلاً بعدَ جيلٍ. فلا يوجدُ بلدٌ أو شعبٌ يُصرُّ التاريخُ على حَشرِهِ في قاعةِ الامتحانِ مثلما يفعلُ معَ الشّعبِ الفلسطينيِّ، وسيصِلُ منْ يرغبُ في قراءةِ تفاصيلِ علاقةِ الفلسطينيِّينَ بوطنِهِم إلى نتيجةٍ واحدةٍ: "هُم في رباطٍ إلى يومِ الدين"، وهو رباطٌ مستمرٌّ منذُ أنْ بدأ التاريخُ يتعلّمُ الأحرفَ الأولى ويُتقنُ التمييزَ بينَ فرسانِ الحقِّ وقُطعانِ الغُزاة. 

 

قد يكونُ موقعُ فلسطينَ الجغرافيُّ واحدًا من أسبابِ وَلَعِ الغُزاةِ بتجربةِ حظوظهِم بالسيطرةِ عليها، وقدْ تكونُ أرضُها تخبِّئُ سرًّا لا يعلمُ تفاصيلَهُ إلّا اللهُ الذي اختارَ هذهِ الأرضَ لتكونَ "مكتبَ البريدِ" الذي يستَلِمُ فيهِ الإنسانُ رسائلَ الخالقِ عبرَ أنبيائهِ ورسُلِهِ الذينَ وسعتهُم أرضُ فلسطين. لكنَّ الشيءَ المؤكّدَ أنْ مَن أعطى فلسطينَ أهميّتَها هُم أهلُها ومُلّاكُ أرضِها، ونستطيعُ أنْ نجزِمَ بالقولِ أنَّ الشعبَ الفلسطينيَّ هو نتاجُ عمليّةٍ طويلةٍ من انتقاءِ الصّفاتِ التي تمكّنُهُ منَ مواصلةِ الحياةِ في أرضٍ يدقُّ الموتُ أبوابَها ليلَ نهار.

 

واهمٌ نتانياهو عندما يظنُّ أنَّ التضييقِ على الفلسطينيِّ يمكنُ أنْ يدفَعَهُ إلى قلْبِ أولويّاتِه، فالأزمةُ الماليةُ التي تأكلُ نصفَ رواتبِ الموظّفينَ وكلَّ شعورِهم بالأمانِ هي أزمةٌ ناتجةٌ عنْ إصرارِ الفلسطينييّنَ وقيادتِهم على التمسّكِ بالكرامةِ الوطنيّةِ وبالالتزاماتِ الوطنيّةِ والأخلاقيّةِ نحوَ الشهداءِ والأسرى والجرحى، ولأنّ هذا هو سببُ الأزمةِ فإنَّ مستوى التحمّلِ يزدادُ عن منسوبِهِ العاديِّ، دونَ أنْ يعني ذلكَ أنَّ لحظةَ الانفجارِ لا تلوحُ في الأفقِ، وهو انفجارٌ لنْ يكونَ إلّا في وجهِ الاحتلالِ والاستيطانِ، لأنَّهم سببُ الأزمةِ الماليّةِ الحاليّةِ وأصلُ كلِّ ما يتعرّضُ لهُ شعبُنا من مصائب.

 

للفلسطينييّنَ خبرةٌ بالشّأنِ الداخليّ الإسرائيليّ توازي خبرتَهم بجرائمِ دولةِ الاحتلالِ والاستيطانِ، وهُم ملمّونَ بألاعيبِ الديمقراطيّةِ الإسرائيليةِ الزّائفةِ وبمقتضياتِ الحملاتِ الانتخابيّةِ التي تتكرّرُ بشكلٍ يضاهي تكرارَ جرائمِ الاحتلالِ. في هذا السياقِ تأتي محاولاتُ نتانياهو لكسبِ ودِّ المستوطنينَ، وفي مقدّمتِهم عصاباتُ القتَلةِ والإرهابيّينَ الذينَ يستوطنونَ قَلبَ المدينةِ القديمةِ في الخليلِ ويدنِّسونَ الحرمَ الإبراهيميّ ويمارسونَ كلّ صُنوفِ الإرهابِ ضدّ أهلِ هذه المدينةِ الفلسطينيّةِ العريقةِ، والتي يعرفُ نتانياهو جيّدًا أنّها تشكّلُ درعًا للوطنيّةِ الفلسطينيّةِ بنفسِ القدْرِ الذي تشكّلُ فيهِ عَصَبَ الاقتصادِ الوطنيِّ وضمانةَ نمّوِهِ ليكونَ أساسًا صلبًا لاقتصادٍ عصريٍّ للدولةِ الفلسطينيّةِ. 

 

*الخليلُ والقُدْسِ توأمانِ، هذهِ حقيقةٌ يدرِكُها أحفادُ الكنعانيّينَ واليبوسيّينَ جيّدًا.

 

٤-٩-٢٠١٩

 

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان