بدا واضحًا أنَّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تتلمّس طريقها بشكل تدريجي لمعرفة الشعب الفلسطيني ومكانته، وثقله، وتأثيره في المعادلة السياسية في المنطقة عمومًا، وعلى محدّدات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد أن فشلت ورشتها في المنامة، وبعد أن أخذت الصفقة، التي طرحها الرئيس الأميركي في طريقها إلى الزوال، والاندثار، وبعد أن اكتشفت بالشواهد أنّ ما راهنت عليهم من عرب وعجم لفرض الصفقة على الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية، ليسوا أكثر من أصفار بلا وزن، وعندما أدركت (الإدارة) أنّ مصالح وثوابت وأهداف الشعب الفلسطيني أغلى وأعظم، وأهم من كلِّ أموال الدنيا، وأنّ منطق الصفقات والرشاوى ليس له مكان أمام المعادل الفلسطيني.
وتمظهر وزن ومكانة المعادل الفلسطيني في الحرب الهوجاء التي تخوضها إدارة الرئيس الجمهوري، وفريقه الصهيوني بدءًا من تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٧، عندما رفضت الإدارة التجديد لمكتب ممثّلية منظمة التحرير في واشنطن، وأصرت على إبقاء المنظمة في قوائم الإرهاب، ثُمَّ باعتراف الرئيس الافنجليكاني بالقدس العاصمة الفلسطينية كعاصمة لدولة الاستعمار الإسرائيلي في ٦ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٧، والى آخر محطة حتى الآن، واقصد ورشة المنامة التي عقدت في ٢٥و٢٦ حزيران/ يونيو الماضي ( ٢٠١٩)، ما اضطر جارد كوشنير، صهر الرئيس ترامب، ورئيس فريقه الصهيوني لتسويق بضاعته الفاسدة (الصفقة) إلى الإقرار بشكل غير مباشر بفشل المشروع الأميركي برمته، حينما أعلن: "إنّ الحل مرهون بمشاركة، وموافقة الفلسطينيين". ليس هذا فحسب، بل وأضاف، أنّ الرئيس صاحب الشعر الأصفر "معجب بالرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس". وهو إقرار جلي بأساسية ومركزية المعادل الفلسطيني فيما يتعلق بحل جذور الصراع العربي الإسرائيلي، وليس الفلسطيني الإسرائيلي فقط.
ورغم ما أعلنه زوج إيفانكا ترامب من إقرار ضمني بفشل المخطط الأميركي، غير أن باقي أعضاء فريقه ما زالوا يواصلون حملة التحريض على القيادة الفلسطينية، ويروجون لبضاعة أقل ما يمكن أن يقال فيها، أنّها فاسدة، ولا وزن لها، وخالية من الدسم، ومن عناوينها ما ذكره غرينبلات، الذي ادّعى، "أنّ الإدارة الأميركية مستعدة للجلوس مع القيادة الفلسطينية عندما تعود للمفاوضات". وهي مقاربة غبية، وتعكس جهلا حقيقيا لدى مستشار الرئيس ترامب. وبعيدًا عن تقييم ما أدلى به، ولفضح عقم المنطق التضليلي الأميركي، سألجأ لجادة الأسئلة المرتبطة بما أعلن الأمي الأميركي: أولا عن أية مفاوضات يتحدّث؟ هل هناك بالأساس مفاوضات بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية منذ آذار/ مارس ٢٠١٤ عندما رفضت الحكومة الإسرائيلية الإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى الحُرّيّة؟ ولماذا الإصرار على قلب الحقائق، والادعاء بما ليس موجودًا في الواقع؟ ومن الذي يتمسَّك بالمفاوضات، ومن الذي ينادي بها القيادة الفلسطينية أم نتنياهو وحكومته الميتة؟ وهل لدى حكومة ائتلاف اليمين المتطرّف بعد مصادقة الكنيست العشرين على قانون "القومية الأساس للدولة اليهودية" في تموز/ يوليو ٢٠١٨ ما يمكن أن تقدّمه للشعب الفلسطيني؟ وهل لدى إدارة ترامب ما يمكن أن تُقدّمه للشعب العربي الفلسطيني بعد الحرب الإجرامية، التي تشنها على الحقوق والمصالح الوطنية والثوابت الوطنية؟ وما هي معايير وأسس المفاوضات، التي يريدها غرينبلات؟ هل أبقت إدارته ملفًا واحدًا يمكن التفاوض عليه، ألم تسقط وتشطب كل الملفات السبع، ملفات الحل النهائي؟
إن كانت إدارة الرئيس ترامب معنية بالاستفادة من دروس وعبر العامين الماضيين، عليها العمل على الآتي:
أولاً، إلغاء كل القرارات والمراسيم التي أصدرها الرئيس ترامب بشأن القضية الفلسطينية.
ثانيًا، إعلان الالتزام الكامل بقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وخطة خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية والإقرار بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو ١٩٦٧.
 ثالثًا، إعادة الأموال مليمًا مليمًا التي قطعتها إدارته عن الشعب الفلسطيني ووكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين.
 رابعًا، إلزام الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد انتخابات أيلول/ سبتمبر القادم للكنيست الـ٢٢ بخيار حل الدولتين.
 خامسًا، الكف عن سياسة المناورة والتحريض والإساءة للشعب العربي الفلسطيني.
سادسًا، ولتؤكِّد إدارة ترامب مصداقيتها بذلك، لا يكفي تجديد فتح ممثلية منظمة التحرير، وشطب المنظمة من قوائم الإرهاب، إنما الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسميا، والإسهام بإلزام الدول التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية بالاعتراف بها.
سابعًا، التعامل مع القيادة الفلسطينية على أساس الاحترام المتبادل والنِّدية، والقرار للإدارة الأميركية، فهل تفعل بعدما أدركت حقيقة المعادل السياسي الفلسطيني؟