صفقة القرن، أوصفقة العار– كما نسميها نحن- الفلسطينيين– لم تعلن بعد بشكل رسمي، غير أن الثرثرات السقيمة التي تصدر عن دونالد ترامب وأعضاء إدارته الذين حشدهم حوله لينفذوا برنامجه، تقدم لنا إشارات قوية بأن هذه الصفقة تعاني سكرات الموت لسبب بسيط وواضح ومحق، وهو أن القيادة الفلسطينية ممثلة برأس شرعيتنا الفلسطينية الرئيس أبومازن، على رأس شعبه في الوطن وفي الشتات الواسع يرفضون هذه الصفقة رفضاً قاطعاً، ويعتبرونها إحدى علامات السقوط للدور الأميركي في العالم، لأنها لم تأخذ الشعب الفلسطيني بعين الاعتبار وكأنه غير موجود إطلاقاً، أو أن قضيته مجرد إرهاصات إنسانية وإقتصادية، وتمكن رشوته بلقمة خبز، وهذا بحد ذاته فشل مخز لترامب وإدارته، لأن أميركا تعاملت مع القضية الفلسطينية منذ نشأتها، ولم تكن في أي يوم محسوبة على معسكر الأصدقاء في الوعي الفلسطيني، ولكن الرؤساء الأميركيين السابقين عرفوا الفرق بين أن يكونوا أعداء منحازين إلى أحد طرفي الصراع وهو إسرائيل، وبين أن يكونوا تافهين، ترامب منذ اللحظات الأولى كشف حقيقته، معاد للفلسطينيين من الطراز الأول، ولذلك أقدم على هذه الخطوات المتلاحقة لمجرد أن يبدو رئيساً مختلفاً ليس إلا، فهو ارتمى تحت أقدام إسرائيل، وجماعات المسيحيانية اليهودية بدون الحد الأدنى من التحفظات، أعطى نتنياهو الحق في أن يأخذ من صفقة القرن ما يريد قبل الإعلان عنها، وترك مهمة الثرثرة للفريق الذي اختاره لكي يكونوا معه في إدارته، وكلهم أشخاص تدور حولهم الشبهات، ابتداء من زوج ابنته جاريد كوشنر، ومبعوثه إلى سلام الشرق الأوسط جيسون غرينبلات ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، الذي قرأت في إحدى الصحف أن ترامب يحتقره ويتقزز من شاربه الذي يوشك على السقوط، ووزير خارجيته ماك بومبيو الذي يحاول أن يشرح ما يفهم!!!
في هذا السياق، اتخذ ترامب قراراً بأن ينقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى قدسنا المحتلة، وأن يدمج القنصلية الأميركية في القدس كجزء من السفارة مع أن وجودها في القدس سابق على وجود إسرائيل.
مرَ عام على هذه الخطوة الحمقاء الأكثر عدوانية ضد شعبنا الذي يزيد عدده الآن عن ثلاثة عشر مليوناً، نصفهم في فلسطين ونصفهم الآخر في المنطقة وفي شتالت العالم يشكلون غلافاً جوياً خارقاً لعدالة وحضور وديمومة الحضور الفلسطيني.
ترامب فاشل، وربما لا يعرف أنه غارق في الفشل، مثلما قال حمار الحكيم لصاحبه "أنا جاهل بسيط لأنني أعرف أنني جاهل، بينما أنت جاهل مركب لأنك لا تعرف أنك جاهل" وأكبر دليل على أن العملية السياسية المعقدة التي يواجهها شعبنا في ظل قيادته الشرعية، وهي إسقاط صفقة القرن التي أحد مآلاتها إسقاط ترامب نفسه، هي ليست معركة فلسطينية فقط، بل هي معركة عالمية بكل درجاتها، فهذا المنطق الغبي المتوحش الذي استخدمه ترامب في الاعتداء على شعبنا من خلال صفقة القرن ومنعرجاتها، يستخدمه ترامب ضد النظام الدولي برمته، يتجاهل مصالح العالم ومرتكزات استقراراه فيواجه الفشل المتراكم، وفوق ذلك فإن معركتنا الفلسطينية لإسقاط صفقته التي تعتبر عملية لإسقاط ترامب نفسه، هي الآن معركة أميركية مئة في المئة، يخوضها الشعب الأميركي عبر هيئاته الدستورية والقضائية، وعبر مؤسساته الوطنية فترامب أصبح معروفاً أنه يقود أميركا إلى هاوية اللاثقة واللامصداقية والتهور الذي لا يبرره سوى الجنون.
المعركة صعبة، وقاسية، ولها استحقاقات كثيرة، ولكن نحن شعب مصفح بمرارة التجربة، وبعمق المعرفة، وبالقدرة على انتاج مسارات نضال لم تكن معروفة من قبل، ألسنا نحن الذين أنتجنا زمن جنرالات الحجارة؟ ألسنا نحن الذين نجحنا أن نكون هاجس الأمان أو الخوف لهذا العدو الإسرائيلي الذي يعرض نفسه كأداة رخيصة في خطط الآخرين؟؟!!
يا أيها الفلسطينيون، ليس مطلوباً منكم سوى أن تكونوا معاً في الصمود، ومعاً في المعركة، ومعاً في الحفاظ على العهد والوعد معاً، بأن فلسطين لا تقبل أن تكون إلا وطناً للفلسطينيين، هكذا خلقها الله وهكذا حتماً ستكون.