افتتحت دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة في مدينة بيت لحم يوم الجمعة، بحضور وزير التربية والتعليم العالي صبري صيدم، وبمشاركة نخبة من الشخصيات العربية والعالمية من أكاديميين وعلماء اجتماعيين وانثروبولوجيين، مؤتمرها الدولي السادس عشر بعنوان "القدس: البعد الوطني.. الديني والدولي"، وذلك في رواق دار الكلمة الجامعية.

وأشاد الوزير صيدم في كلمته في المؤتمر بدور دار الكلمة الجامعية المتميز بتعزيز دور التعليم العالي في المجتمع الفلسطيني، مؤكدا أن محاولات الاحتلال لأسرلة التعليم ومحو الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني في القدس ستبوء بالفشل، وأن التعليم في المدينة المقدسة سيبقى فلسطينياً رغم أنف الاحتلال.

وأكد صيدم، أن وزارة التربية والشعب الفلسطيني لن يسمحوا بتمرير خطوات الاحتلال التي تستهدف تزوير المناهج الوطنية الفلسطينية، وفرض المنهاج "الإسرائيلي" على مدارس القدس، مشيراً إلى أن دولة الاحتلال مصابة بالهستيريا "وباتت تعتبر المؤسسات التعليمية الفلسطينية الأكثر خطراً على وجودها".

ولفت إلى أن الاحتلال يواصل هجمته الشعواء على التعليم الفلسطيني من خلال تكرار اقتحام المباني التربوية والمدارس وإعاقة الطلبة والمعلمين من الوصول الآمن لمدارسهم وجامعاتهم، مشدداً على أن ذلك يتطلب موقفاً دولياً حازماً لوضع حد لانتهاكات الاحتلال.

وأضاف، "النكبة لن تتكرر، ومدارس التحدي هي نموذج للصمود، وعلى الركام سيستمر التعليم، والقدس لن تكون الاستثناء، ولن نكون هنوداً حمراً في أرضنا؛ إذ إننا باقون راسخون كما هويتنا، وترمب أراد إزالة القدس عن الطاولة فأعادها التعليم إلى قلب الطاولة".

وتابع صيدم: "نحن موجودون هنا ليس بقرار من إسرائيل وإنما بقرار وجداني مبني على الكرامة الفلسطينية والانتماء للهوية والأرض، وبالتالي هذا قرارنا كشعب فلسطيني أن نتمسك بالأرض، وبعد مئة عام من وعد بلفور المشؤوم؛ جاء وعد آخر ليحاول أن يمحو كرامات أبناء الشعب الفلسطيني وبقائه على هذه الأرض، وبالتالي هناك حقائق يجب أن يرسخها هذا المؤتمر".

بدوره أكد مؤسس ورئيس دار الكلمة الجامعية القس متري الراهب، أن هذا المؤتمر يأتي اليوم كخطوة على تسليط الضوء على مدينة القدس وما تتعرض له من انتهاكات هادفة وحملة استعمارية استيطانية شرسة وممنهجة، وقال "معركتنا في القدس معركة وجود، أما أن نكون أو لا نكون، وبدون القدس لا دولة، ولا وحدة جغرافية، ولا مقدسات دينية، اجل القدس بعد وجداني، ويخطئ من يظن أن معركتنا في القدس هي فقط معركة سياسية، أو ديمغرافية فحسب، بل هي أيضاً معركة أكاديمية لم تحتل إسرائيل القدس فحسب، بل هي احتلت بمفكريها المنصات الأكاديمية وراحت تروج عن طريق الكتب والمنشورات والأبحاث تارة لمدينة داوود، وتارة أخرى للهيكل، وثالثة لعلية صهيون".

وتابع الراهب: "أصبحنا نبكي القدس كما وكأنها الأندلس الضائعة ولكن لا نريد أن نبكي القدس ونتحسر على حالها، فمعركة القدس لم تحسم بعد. أميركا بقرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل انزوت بنفسها عن المجتمع الدولي ولم تلحق بها حتى هذه اللحظة أي دولة تذكر، وهناك نجاحات اذكر منها هبة الأقصى وإغلاق كنيسة القيامة، والبيانات الكنسية الدولية المناصرة لشعبنا ولحقوقه المشروعة، فالقدس ليست بحاجة إلى خطابات، بل هي بأمس الحاجة إلى علم وفكر، وخطة عمل ممنهجة، إلى رؤيا ثاقبة والى إرادة لا تعرف الكلل، لذلك أردنا أن يكون هذا المؤتمر مؤتمراً دولياً علمياً، تقدم فيه أوراق علمية محكمة، وتنشر أبحاثه في كتابين باللغتين العربية والانجليزية، كما وستنقل جلساته على منصات التواصل الاجتماعي مباشرة".

وقدم الراهب، شكره لشركائهم في هذا المؤتمر: مؤسسة EMW، مؤسسة كونراد آديناور ومارك فرينكس، والى طاقم دار الكلمة الجامعية.

من جهته اشار مدير مؤسسة كونراد آديناور الألمانية مارك فرينك، الى ان هناك ثلاثة وقائع لفتت انتباهه أولا أن 80% من المقدسيين الشرقيين يعيشون تحت خط الفقر، وثلث الأطفال من القدس الشرقية يتركون المدرسة قبل تخرجهم، و120 ألف مقدسي يعيشون اليوم في المهجر، ولهذا فإن القدس اليوم مقسمة الى الكثير من الأقسام التي لم يشهدها التاريخ من قبل، وحتى انه للأطفال فقط يوجد 45 مكانا للترفيه في القدس الشرقية بينما في القدس الغربية يوجد 1000 مكان للترفيه".

وأضاف: "لا اعلم مدى تحمل ومقاومة اهالي مدينة القدس هذه الظروف الصعبة، وان القدس اليوم تعطينا نبذة عن ما ستكون القدس في المستقبل"، مشددا على أهمية الأبحاث المطروحة في هذا المؤتمر".

وشمل اليوم الأول من المؤتمر، العديد من المحاضرات وورش العمل وقدمت الدكتورة اولريكة بيشمان خلال الجلسة الأولى محاضرة بعنوان: "نظرة الاسكتلنديين والانجليز للشرق ودورها في السياسة البريطانية في القدس في القرن التاسع عشر"، كما قدم الدكتور جورج ريفيرا ورقة بحثية حول "القدس المتخيلة - وجهة نظر اميركية"، وأدارت الجلسة د.فيكتوريا روي.

أما الجلسة الثانية من المؤتمر والتي أدارتها د.هند خوري، فاستعرض فيها الأستاذ ديفيد ترجمان ورقة حول "موقف وسلوك المقدسيين أمام التحديات الحالية"، كما قدم د.وليد سالم ورقة حول المواطنة في السياق الاستيطاني الاستعماري - القدس الشرقية مثالاً".

وناقشت الجلسة الثالثة من المؤتمر والتي أدارها مارك فرينغس عدة مواضيع، حيث قدم القس د.الراهب ورقة بحثية بعنوان "القدس– وجهات مسيحية متفارقة"، واستعرض كل من د.فارسين أغبيكيان والأستاذ جميل رباح، دراسة حول دور المؤسسات المسيحية في القدس، كما قدم الأستاذ خافيير ابو عيد دراسة حول "التاريخ السياسي للمسيحيين الفلسطينيين والكنائس حول القدس بين وعد بلفور و1948".

أما الجلسة الرابعة من المؤتمر والتي أدارتها نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية في دار الكلمة الجامعية نهى خوري، فقدم خلالها د.نظمي الجعبة محاضرة حول الأماكن المقدسة في القدس، كما قدم الأستاذ جورج تسوروس ورقة بعنوان حواجز وحدود: العلاقة الاجتماعية الثقافية بين المسيحيين في القدس.

يذكر أن المؤتمر يقام بدعم من مؤسسة كونراد آديناور الألمانية، ومؤسسة EMW، ويستمر حتى يوم غد السبت.

ويأتي المؤتمر ضمن سلسة البرامج الأكاديمية التي تطلقها دار الكلمة الجامعية بشكل دائم، حيث تقيم سنويًا مؤتمراً عالمياً تدعو إليه مجموعة كبيرة من المختصين والباحثين من عدة دول في العالم حول موضوع معين.