عضو الكنيست حنين زعبي لملجة القدس:

نضـال الشعب الفلسطيني لـن ينتهي في أروقة الأمم المتحدة وعلى السلطة الفلسطينية أن تعرف أن "إسرائيل" لا تريد السلام

بالرغم من ادعاء دولة الاحتلال "إسرائيل" بأنها الكيان الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط وانها عادلة، الا أن هذه العدالة لا تتعدى القبيلة اليهودية ولا تشمل الفلسطينيين في الداخل، رغم أنهم يمثلون خمس السكان. فهم يواجهون سياسة منظمة من الإقصاء والإفقار من قبل الدولة ومؤسساتها في ظل حملة التهويد المضادة للفلسطينيين، وحزمة القوانين العنصرية التي صادق عليها الكنيست في الفترة الأخيرة ضدهم.  ورغم بداية الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها "إسرائيل"، تبقى الأحزاب والمنظمات العربية الفلسطينية في الداخل على الحياد ولم تحسم أمر انخراطها في هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية بعد. حول هذه الأحداث وأوضاع أهلنا في الداخل الفلسطيني في أراضي الـ48 تحدثت لمجلة "القدس"  عضو الكنيست وعضو المكتب السياسي في التجمع الوطني الديمقراطي في الداخل حنين زعبي. وما يلي نص المقابلة.

 

كيف تصفين لنا الأوضاع المعيشية للفلسطينيين داخل أراضي ال 48 في ظل الاحتلال الإسرائيلي؟

نحن نتحدث هنا عن مجتمع يواجه سياسات التمييز والافقار، إذ ان أكثر من 50 % منه تحت خط الفقر، في الوقت الذي كان يجب ان تكون من أغنى الطبقات في المجتمع من منطلق اننا المالكون الأصليون للأرض. فالاحتلال الإسرائيلي عمد الى طرد وتهجير الطبقات الاقتصادية والاجتماعية المرموقة من المنطقة عام 1948. ومن بقي، هم الفلاحون والمعروف أن رأس مال الفلاح هو الارض. ولكن في ظل الاجراءات الاسرائيلية من مصادرة اراض وتضييق فرص العمل امام الفلسطينيين، أدى الى عيش الفلسطينيين ومنذ النكبة على هامش الاقتصاد الاسرائيلي، بحيث عملت "إسرائيل" على عدم دمجهم في سوق العمل سواء في القطاع العام أو الخاص. ولم تسمح بالمقابل للفلسطيني بتطوير اقتصاد مستقل لهم. فإن نظرنا، نجد أن نسبة الفلسطينيين داخل اراضي 48  تبلغ 18 % ومع ذلك فإن نسبة العاملين في القطاع الحكومي هي  8%، ونسبة العاملين في القطاع الخاص هي 1%. وهذا يعني مشاركة ضئيلة في سوق العمل، وذلك لأن "إسرائيل" منعتنا من تطوير اقتصادنا الخاص من شركات وبنوك ورأس مال، وحتى الـ20% من أغنياء "إسرائيل" هم من اليهود فقط.  وجدير بالذكر، أن سياسة الافقار الاسرائيلية اعتمدت على مصادرة الاراضي وتهميش العرب ومنع تطوير رأس مالهم خلال الستين عاما الماضية وكذلك هدم الطبقة البرجوازية والطبقة الوسطى الفلسطينية في الداخل حتى وصلت نسبة الذين تحت خط الفقر منا الى 50% ونسبة البطالة الى أعلى المعدلات وخصوصا في صفوف النساء بحيث تصل نسبة النساء العاملات الى 19% وهي أقل نسبة عاملة ضمن المنطقة وفي الدول المجاورة.

 

هل هناك ممارسات أخرى تقوم بها "إسرائيل" لتضييق الخناق على الفلسطينيين، وبرأيك ماذا تستهدف؟

نعم فهذه الممارسات لا تنحصر في المجال الاقتصادي والاجتماعي فقط وانما تشمل جميع مناحي الحياة اليومية وهي مجموعة سياسات تهدف الى الافقار السياسي وليس فقط الاجتماعي والاقتصادي، وإضعاف المجتمع الفلسطيني في الداخل كحلقة من حلقات إضعاف مقومات نضاله وقدرته على استرداد حقوقه التي سلبت منه، وجعله مشغولا ومهموما في لقمة العيش فقط. فهذا سلاح سياسي متعدد الاهداف للوصول الى اغراض سياسية واقتصادية لضرب النسيج الاجتماعي للفلسطيني في الداخل، وحرمانه من موارده لكي يستفيد منها اليهودي ولتقوية اقتصادهم على حساب الاقتصاد الفلسطيني.اضافة الى ذلك هناك سياسة اسرائيلية أخرى وهي مصادرة الاراضي الفلسطينية في الداخل في الوقت الذي لا تحتاج هي لهذه الاراضي فلماذا يتم ذلك!! يبدو واضحا أن المصادرة هنا من أجل المصادرة فقط لتمكين اليهودي واضعاف الفلسطيني وادخاله في دائرة الفقر والاحباط واللامبالاة، وحتى وان لم يستفد اليهودي المهاجر والقادم من الخارج من الارض المصادرة. فجزء كبير من السياسة الاسرائيلية هي سياسة الجزرة والعصا، بمعنى أن الموالي للدولة وللسياسة الصهيونية سيتم مساعدته ومساعدة أبنائه في العمل والتوظيف، وأما المشارك في الاحتجاج والتظاهر والنضال الوطني فسيتم حرمانه من أبسط الحقوق ويتم معاقبته ووضع العراقيل أمامه.

 

كيف سيكون تأثير الاحتجاجات الجماهيرية الاخيرة في الشارع الاسرائيلي على الجانب الفلسطيني في الداخل، وهل هناك مشاركة فلسطينية فيها؟

الاحتجاج هو في سياقه الطبيعي والصحيح فالمواطن الإسرائيلي الآن يخرج من الطبقة الوسطى ليحتج على سياسة الحكومة وهو يتمتع بمعدل دخل يعادل -6-4 أضعاف دخل الفلسطيني، ومع ذلك هو يخرج للاحتجاج. أما نحن فنعاني من سياسة مجحفة استمرت لعقود ضدنا. فعلى سبيل المثال، المشكلة المتمثلة في الإسكان والتي تعتبر الضائقة الأكبر والاهم الان للأزواج الشابة، فنحن نعاني من ما نسبته 48% من الأزواج الشابة الفلسطينية التي لا تجد المسكن ولم تستطع توفير المسكن لها في السنوات العشر الأخيرة. وذلك حسب الاحصاءات الرسمية، وهذه ضائقة أعلى بكثير مما هو موجود عند الازواج الشابة اليهودية، التي تتحدث عن غلاء المسكن وليس عدم توفره كما هو الحال لدى الفلسطيني. والسبب في ذلك يعود الى  عاملين رئيسيين هما ارتفاع نسبة الارض المصادرة والتي تصل الى 82%، اضافة الى زيادة النسبة الطبيعية لعدد السكان الفلسطينيين في الداخل بحيث وصل التعداد الفلسطيني الى تسعة أضعاف ما كان عليه في عام النكبة إذ تم تهجير نسبة 85% من شعبنا في تلك السنة وهذه الزيادة تعيش الآن على 3% فقط من نسبة الارض فهناك حصار وجود وملاحقة للفلسطيني. وهنا نحن لا نتحدث عن غلاء المعيشة فقط كما يتحدث ويحتج اليهودي، وانما اضافة الى ذلك نحن نتحدث عن ملاحقة ومحاصرة وجودنا. والعامل الآخر في أزمة السكن هو عدم المصادقة وعدم اعتماد مخططات التطوير والبناء للقرى والتجمعات العربية من قبل وزارة الداخلية، ف46% من البلدات والقرى العربية بدون خارطة هيكلية. وفي العشرين سنة الاخيرة لم يتم تطوير أو تأهيل القرى العربية. وكذلك يتم المصادقة على هذه الهيكليات ومعنى هذا الكلام هو أن سكان هذه البلدات غير مسموح لهم البناء على أرضهم التي بقيت لهم بعد المصادرة، وهذا يعني أنك أمام خيارين اما البناء بدون رخصة وبالتالي تعريض المسكن للهدم في أية لحظة،  أو عدم وجود المسكن والبقاء في الشارع انت وأولادك. وهذا ما تطمح له الدولة، وهو تشريد ما بقي من الفلسطينيين وإجبارهم على الخروج من مناطق الـ 48 وهناك ما يزيد عن 10 آلاف مسكن فلسطيني مهدد بالهدم. فالصف الاول في "إسرائيل" يخرج للتظاهر والاحتجاج واما نحن الصف الثالث لا أحد يعبّرنا، فالازمة وصلت الى باب بيت اليهودي وحياته لذا خرج. أما نحن الذين نعاني من هذه الازمات ومنذ عقود لم يأبه لنا أحد، بالرغم من أن هذا اليهودي الذي يحتج الان هو يعيش على الأراضي التي صودرت مني بغير وجه حق. فليس هناك أي نوع من العدالة الاجتماعية  وليس لنا ثقة في هذه الاحتجاجات ولن نعطيها الشرعية لأنها لا تأبه ولا تهتم بشرعيتنا وحقنا المصادر من عشرات السنين. فهناك علامات تعجب واستفسار كبيرة لهذه المسيرات التي تخرج الآن، في حين أن أهالي النقب الفلسطينيين وأهالي يافا واللد، ويافا المدينة الفلسطينية الرئيسية والمعرضة للتهجير حتى وبعد مرور 63 عاما من النكبة، أهلها ما زالوا يعانون، والمستفيد الوحيد بالطبع هو اليهودي. فكيف يمكن أن تكون هناك شرعية أو ثقة في هذه الجموع المحتجة؟ ومع ذلك، نحن نرى في هذه الاحتجاجات  من لا يتحدث عن العدالة بحيث أنهم لا يطالبون بتغيير السياسات في "إسرائيل" ولا تخفيض الموازنات العسكرية لأن توجههم ما زال يمينيا متطرفا، ونحن نتحدث عن مجتمع عنصري تجاه العرب. والعدالة التي يتحدثون عنها هي في حدود القبيلة اليهودية، فتبدأ العدالة وتنتهي هناك. وبالتالي، نحن لا يمكن أن نكون جزءا من هذه الاحتجاجات، ومع ذلك نحن ننظر الى هذه التظاهرات والى هذه الاحتجاجات كوسيلة لاعلاء صوتنا وفرصة أخرى لطرح مطالبنا بالرغم من أننا من سبق الى الاحتجاج منذ وقت طويل.

 

ما هو تقييمك لأداء السلطة الوطنية الفلسطينية تجاه الايفاء بالتزاماتها نحو الفلسطيني في الداخل والقدس؟

 لم تعرّف منظمة التحرير علاقتها بفلسطينيي الداخل بشكل واضح ولم يكن هناك تصريح أو موقف رسمي تجاه الفلسطينيين في الداخل. وبالعكس أنا أرى أن بعد دخول السلطة الفلسطينية الى الضفة وغزة حسب اتفاقية اوسلو، كانت منظمة التحرير تتعامل معنا كشأن اسرائيلي داخلي أكثر منه كشأن فلسطيني ولم يتم ولو لمرة تعريف مساهمتنا في النضال كجزء من النضال العام للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه. وكانت العلاقة أحادية الجانب، وكنا نحن من نعرّف أنفسنا وأننا جزء من الشعب الفلسطيني وجزء من النضال الفلسطيني وجزء من الصراع.

 

هناك استحقاق في أيلول القادم ومحاولة فلسطينية لانتزاع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران. برأيك ما هو الموقف الفلسطيني في الداخل؟  وكيف سيؤثر ذلك على القوانين الاسرائيلية بحق الفلسطينيين؟

"إسرائيل" تتصرف بشكل عنصري واستيطاني ولا يهمها القانون الدولي، وذلك واضح منذ عقود. والنضال الفلسطيني لا يجب أن يكون رهن برد الفعل الاسرائيلي، وبالعكس عندما يتراخى ويتراجع النضال الفلسطيني نجد شراسة واستقواء من الجانب الاسرائيلي، وتزداد وتيرة الاعمال في المستوطنات وتزداد حملة التهويد. لذا أنا ما يهمني هو استمرار النضال الفلسطيني وقوته وأغلب القوانين الظالمة والمجحفة والعنصرية تم المصادقة عليها اثناء فترة التفاوض وخصوصا في الست سنوات الماضية، وعندما تواجه "إسرائيل"  نضالا فلسطينيا قويا وفعالا وبمختلف أشكاله، عندها تضطر الأخيرة الى التراجع وإعادة حساباتها، فالمحتل ومهما اختلفت أوجهه يعيد حساباته فقط عندما يدفع ثمن احتلاله، ونضال الشعب الفلسطيني لن ينتهي في أروقة الأمم المتحدة. لذا نخشى أن تكون ورقة التوجه الى الامم المتحدة هي ورقة الضغط فقط على الجانب الاسرائيلي لتحسين شروط التفاوض، لذا على  السلطة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني أن يعرف أن "إسرائيل" لا تريد السلام وأنها ليست مستعدة لسلام عادل وليست مستعدة نفسياً ولا واقعيا ولا عمليا للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا تعترف في خطابها البرلماني ولا حتى الاعلامي بأنها دولة احتلال تحتل أراض لشعب آخر ولا يوجد لدى المجتمع في "إسرائيل" قناعة باحتلال دولتهم لشعب آخر. وبهذا الوضع تتعامل "إسرائيل" مع المفاوض الفلسطيني وتحاول نزع التنازل منه واستخدام المفاوضات كأداة لانتزاع الشرعية والاعتراف بها من المفاوض الفلسطيني.

حوار/ امل خليفة - رام الله - فلسطين