خاص مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-
تحقيق: سحر ابو عرار

على مدار عقودٍ من الزمن عانى المجتمع الفلسطيني من ويلات الاحتلال وسياساته التي كانت وما تزال تسعى إلى سلب الحقوق من أصحابها، والاستيلاء على الأرض بكافة الوسائل والأساليب غير المشروعة والتي تتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية، حتى وصلت هذه السياسات الى حالة التطرُّف الذي أصبح يشكّل خطورة كبيرة على المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل.


الحكومات الإسرائيلية تعزّز ثقافة التعصُّب والكراهية
ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في إحدى تقاريرها حول التطرُّف الصهيوني في المجتمع الاسرائيلي أن "ظاهرة التطرُّف ليست جديدة في إسرائيل، فهي معروفة لدى السلطات وتنتشر في المستوطنات، وتحظى بنوع من الحصانة القانونية ضدّ أي محاسبة".
وقد ساهمت الحكومات الإسرائيلية المتتالية في تعزيز وترسيخ حالة التطرُّف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي من خلال النهج المتطرِّف الذي اتّبعته ضدّ الفلسطينيين في الاراضي المحتلّة، والخطاب الإعلامي التحريضي والموجَّه الذي يحاول باستمرار رسمَ أبشع الصور للطرف الآخر وزرع ثقافة العَداء ضدّ كل ما هو فلسطيني.
ولم تخلُ خطابات الحاخامات والقادة في الحكومات الإسرائيلية على مدار السنوات السابقة من لغة التطرُّف التي باتت واضحة من خلال التصريحات العنصرية التي شكّلت أساسًا لتنامي هذه الحالة من الكراهية والحقد، وهذا ما يظهر في أحد التصريحات التي أدلى بها "آفي ديختر"، أحد الرؤساء الذين قادوا جهاز الأمن الإسرائيلي، والذي قال: "اذا لم تنفع القوة مع العرب فسينفع المزيد من القوة"، وبالتالي فإن الشارع الإسرائيلي وما يتبنّاه من أُسس تقوم على العنف الموجّه ضدّ الفلسطينيين ما هو إلا نتاجٌ لثقة تمّ بناؤها بين القادة والشعوب وأُعطي من خلالها الحق والتصريح لممارسة كافة وسائل الاجرام بحق شعب لا يطالب بغير حقه.
وبهذا الصدد تقول الصحافية وطالبة الماجستير في الدراسات الدولية رزان شقور: "إنّ الحكومة الإسرائيلية تعتمدُ على ماكينة إعلامية عالمية ضخمة، تعمل من خلالها على توجيه الرأي العام العالمي، وكسب ودِّه بطريقة تأخذ بها دور الضحية وصاحبة الحق، وبالتالي فهي تقوم بقلب الحقائق وبثِّ العنصرية بطرقٍ مباشرة وغير مباشرة، وهذا يتم على مراحل عمرية مختلفة مما يؤكّد أهمية ودور التعليم في هذه المعادلة الصهيونية".
وتضيف "لا يمكنُ غضُّ النظر عن أن التعليم يعدُّ من أهم الوسائل المستخدَمة لغرس روح العنصرية والعداء ضد العرب، حيث أن المناهج التعليمية الإسرائيلية وما تحملهُ بين طيّاتها ما هي إلا وسيلة لترسيخ قيَمٍ قائمة على أساس تعزيز أهمية الحرب كوسيلة أُولى لحماية اسرائيل وأمنها، الى جانب تجاهل السلام كقيمة إنسانية كفيلة بتوفير الأمن والاستقرار، وهذا وحده كفيلٌ بتعبئة الرأي العام الإسرائيلي واقناعه أن الحرب مشروعة ما دامت تهدف الى تحرير أرض الآباء والأجداد كما يزعمون، فهذه المناهج ما هي الا غرسٌ للعنصرية، وتأسيسٌ لحقد غاشم ضد الهوية الفلسطينية، وترجمة لتطرُّف أعمى لا يمكن غضُّ النظر عنه.
وبالتالي فإن هذه العقلية التي تتربّى على هذا النوع من التطرُّف لا يمكن أن تتحرّر من الفكر الصهيوني المتعصّب، ولا يمكن أن تقبل بكيان آخر ينافسها على الأرض والوجود، لذا فهي تشكّل خطرًا كبيرًا يهدّد الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلَّة. فشعبٌ تربّى على مبادئ عزّزت لديه هاجس الخوف من الآخر واعتباره خطراً يهدّد كيانه لا بدّ له من استخدام كافة الاساليب وتجنيد كافة الوسائل في سبيل إبادة هذا الآخر الذي يتجلّى بصورة الفلسطيني الصامد في أرضه المحتلة".
وحول هذا الموضوع يقول المحامي جمال أبو عرار من قرية عرعرة النقب: "إن سياسة الحكومة الإسرائيلية تتمركز حول إقصاء الآخر في ظل تصاعد الاحزاب اليهودية المتطرفة، الى جانب الادعاء الصهيوني حول الحريات والديمقراطية، وبمعنى آخر إن الديمقراطيات التي تتغنّى بها اسرائيل ما هي في الحقيقة إلا واجهة تُستخدَم للتوظيف الخارجي وتلميع صورة إسرائيل أمام هيئة الامم المتحدة والمؤسسات الدولية الاخرى".
ويضيف أبو عرار "الدولة العبرية لا تعترف بالأقلّيات، فهي تدّعي يهودية الدولة، أي أن كل مَن يسكن إسرائيل هو يهودي، وبالتالي هي لا تعترف بالأقلية الفلسطينية التي ترفض هذا الادّعاء مؤكّدةً بذلك أحقية الوجود".
إسرائيل تُمارِس العنصرية ضدّ الفلسطينيين بشتى الوسائل
من جانبه يؤكّد أحمد أبو صعلوك، أحد سكان مدينة بئر السبع المحتلة، أن المحاولات المستمرة التي يقوم بها الصهاينة واليهود المتطرّفون من أجل سلب الارض والغاء الهوية الفلسطينية أثبتت وستثبت فشل الدولة الإسرائيلية القائمة على أُسس دينية، وإن كان ذلك على حساب المشاركة الفلسطينية بشتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والسبب الرئيس في ذلك هو الصمود الدائم لهذا الشعب الذي لا يزال يحافظ على قوميته ويقاوم من أجل استرداد ما سُلِب منه بالقوة، حيث أنّ الوجود الفلسطيني في الاراضي المحتلة رغم كافة المعوقات والجرائم التي تُرتكَب بحقه يفنّد الرواية الاسرائيلية الدائمة بشأن يهودية الدولة.
وتقول المواطنة رانية الطلقات: "إن العنصرية الممارَسة علينا كمواطنين فلسطينيين يعيشون في أراضيهم المحتلة تتجلّى بالعديد من المظاهر، ومن أهمها شروط القبول التعجيزية في الوظائف الحكومية والتي تتطلّب الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي الأمر الذي يستبعد العرب من قائمة التوظيف، وهذا بحد ذاته يعدُّ قمّةً في العنصرية واللامساواة في مجتمع يدّعي الديمقراطية". وإضافة الى ذلك يبرز الاضطهاد الذي يعاني منه الفلسطينيون فيما يتعلّق بالانتخابات، حيث يتم استخدام كافة الأساليب غير الشرعية وغير القانونية التي تضمن عدم وصول القوائم العربية المرشّحة في الانتخابات الى مناصب حكومية في الدولة، وليس هذا فقط بل وصلت العنصرية الإسرائيلية الى حدّ الخوف من النساء المحجّبات والتعرُّض لهن في كافة وسائل النقل، الى جانب التهجير القسري الذي يُمارَس ضدّ البدو في الداخل المحتل لسلب أراضيهم وهدم بيوتهم وبناء المستوطنات الإسرائيلية عوضاً عنها، كما حدث في قرية العراقيب التي تمَّ تدميرها وهدمها مرات عديدة.
إن عقلية المواطن اليهودي الذي أصبح من الصعب أن يتحرّر من قيود التطرف والعنصرية التي باتت تشكل جزءاً من ثقافته ونمطاً من أنماط حياته وسلوكاً يلازمه، أصبحت السلاح الأخطر الموجه ضدّ الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل، فلا يمكن التنبؤ بمستقبل هذا التطرُّف الذي تفشّى بكافة مؤسسات الدولة الإسرائيلية وأصبح محرّكًا رئيسًا لها.
فقد تخطّى هذا الاحتلال كافة الحدود الممكنة، وخرجَ عن جميع المواثيق والأعراف الدولية، وكان ناجحاً في تحسين صورته أمام العالم، وهنا يصبحُ الاعتراف بهذا الذكاء والقدرة على خداع الغير حتمياً ويجب الوقوف أمامه مطوّلاً، فالأهمية الكبرى في أي مرحلة من مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تكمن في الحفاظ على الثوابت والوجود الفلسطيني، وإن كان التطرُّف يهدّد هذا الوجود فإنَّ صياغة أُسس تعمل على قلب الموازين رأساً على عقب أصبح أمراً ضرورياً يجب القيام به.