خاص مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-
غزة/  منال خميس

تسعُ سنواتٍ مرّت على انفتاق الجرح الفلسطيني الفلسطيني، الحلم الإسرائيلي الذي نفّذته أيادٍ فلسطينية، الانقسامُ البغيض، قاتلُ الجيل ووائدُ الثورة، وما زالَ الحال على ما هو عليه، فلا حركة حماس تقبلُ بالتنازل عن عرشها الربّاني في قطاع غزة، ولا السلطة الفلسطينية تستطيع تقديمَ أكثر مما قدّمتهُ من تنازلاتٍ في سبيل رأب الصدع "بحسب تصريحات ناطقيها".
وعلى الرغم من جولات الماراثون الدولية المتقطّعة التي تجري بين الفينة والأخرى، إمّا من دولٍ صديقة أو دويلات تدّعي الصداقة، إلا أن ملفَ المصالحة ما زال متعثّراً عند الحجر الأول، ولا يبدو أنه في طريقه نحو الحل، لذا تطغى حالة من التشاؤم، لاسيما بين الأوساط السياسية والدبلوماسية، تجاه اجتماعات المصالحة الأخيرة، والتي احتضنتها العاصمة القطرية "الدوحة".
حماس تعطّل المصالحة تحقيقاً لمصالحها الشخصية
جاءَ لقاءُ الدوحة الذي أُعلِن عن فشله منتصف الشهر الجاري، وبعد مرور تسع سنوات بالتمام على وليدِ الغباء السياسي لحركة حماس، استكمالاً للقاءاتٍ سابقة جرت في شهري شباط وآذار الماضيَين، وذلك على أمل التوصُّل إلى حلٍّ للقضايا العالقة، والتي أُعلِن عنها سابقاً، وتربّعت على عرشها قضية موظّفي حماس في قطاع غزة، تليها قضية برنامج حكومة الوحدة الوطنية، إلا أن الفشلَ كان حليف الجولة كما في المرات السابقة.
وتُطالبُ حركة حماس بدمجِ موظّفيها المدنيين والعسكريين الذين عيَّنتهم عنوةً بعد طرد موظّفي السلطة الفلسطينية من مقار عملهم عقب الانقلاب العسكري عام 2007م، وكذلك بالتكفُّل بدفعِ رواتبهم، فيما ترى حركة "فتح" أنه لا يمكن حل هذه النقطة الخلافيّة إلا مِن خلال تشكيل لجنة إدارية وقانونية للبتِّ في مدى حاجة السلطة لهؤلاء الموظّفين. وبينما يرى الرئيس محمود عباس أن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية سيكون البرنامج الافتراضي للحكومة، ترفضُ حماس ذلك قطعياً، وتقول إنها لن تقبلَ سوى ببرنامج حكومة الوفاق الوطني الذي تمّ توقيعه ضمن اتفاق القاهرة الذي أُبرِمَ بين الفصائل الفلسطينية العام 2011م.
وقال المتحدّث بـِاسم حركة "فتح" أسامة القواسمي، في بيانٍ صحفي أصدرَهُ عقب الإعلان عن فشل المحادثات رسمياً، إن لقاءات الدوحة أظهرت بشكل واضح وجلي أن حركة حماس غير جاهزة بعد للوحدة الوطنية والشراكة السياسية المبنية على أساس الوطن وليس الجماعة.
وأضاف القواسمي "يبدو أن مفهومَ حماس للوحدة الوطنية يكمن فقط في حلّ مشكلتها من الناحية المالية، الأمر الذي نعتبره استخفافاً بحجم ملف المصالحة والوحدة الوطنية، الذي نعتبره استراتيجياً وأساسياً وممراً إجبارياً لا عودة عنه".
وأشار إلى أن حماس تعلمُ أن ما طرحَتهُ في الدوحة يسعى فقط إلى تعطيل الحوار والجهود المبذولة لإنهاء الانقسام، وأن خلافاتها الداخلية واقتراب موعد انتخاباتها الداخلية يؤثّر بشكلٍ مباشر وسلبي على توجّهاتها في ملف المصالحة.
وأكّد القواسمي أن حركة "فتح" لن تيأس، وستواصل جهودها لإنهاء الانقسام باعتباره مصلحةً وطنيةً عُليا، داعياً حركة حماس إلى التوجُّه نحو الوحدة الوطنية الحقيقية والتقاط الفرصة، وإلى القيام بمراجعة شاملة لسياساتها وتوجّهاتها خاصة في ملف الوحدة الوطنية.
ومن جانبه، قال أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" أمين مقبول إن "اجتماع الدوحة لم يحقّق اختراقاً بشأن تنفيذ المصالحة بسبب تعنُّت حماس وعدم تجاوبها مع ما هو مُتّفَق عليه مسبقاً"، معتبراً أنها "تسعى فقط للإبقاء على سيطرتها بالقوة على قطاع غزة وترفض التجاوب مع استحقاقات المصالحة".
وذكرَ أن حماس أصرّت على حل مُسبَق لملف موظفي حكومتها الـمُقالة السابقة في قطاع غزة، كما رفضت اعتماد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية لحكومة الوحدة الوطنية المنشود تشكيلها.
بينما شدّد عضو المجلس الاستشاري لحركة "فتح" يحيى رباح، في تصريحه لـ"القدس" على أن مصر الشقيقة هي الراعي الوحيد لقضية المصالحة، منوّهاً إلى أن الدور القطري لم يتجاوز تقديم المشورة، وإلى أن أي مباحثات مستقبلية ستجري بين الحركتَين ستكون في مصر بصفتها الراعي الوحيد للمصالحة.
الدوحة لا تصلح راعياً للمصالحة
أكّد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر، في حديث لـ"القدس" أن أهمّ مسبّبات الفشل هو عدم توافر الإرادة السياسية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، لافتاً إلى أن اللقاءات كافة التي تنعقد في الدوحة هي مضيعة للوقت.
وقال: "إن المكان الطبيعي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإنجاز المصالحة هو فلسطين، لدينا الكثير من الاتفاقيات والأوراق التي سبقَ أن تم الاتفاق عليها، لذلك فإن المطلوب هو توافر الإرادة من أجل الحوار الوطني الجاد في الأرض الفلسطينية، وإن مصر الشقيقة وكما أبلغتنا، لم ولن تتخلّى عن هذا الملف، وهي دوماً جاهزة وحاضرة لدعم القضية الفلسطينية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، لكنها أيضاً بحاجة لنوايا حقيقية وجدية لذلك، وبالتالي هذا الأمر مرهون بطرفَي الانقسام".
وتابع "برأيي إن التدخلات الخارجية سواء أكانت من قطر أو السعودية، تدخلاتٌ غير بريئة ولها حساباتها، وهي محاولة لأن تكون المصالحة بوابةً لتسوية سياسية تكون مدخلاً لتحالفات علنية ورسمية مع العدو الإسرائيلي، وبالتالي يجب عدم إعطاء هذه الفرصة لكلٍّ من قطر والسعودية، وإنما يجب إعطاء الفرصة للإرادة السياسية والطرف المصري الذي يعدُّ حريصاً على إنجاز المصالحة الفلسطينية".
ويقولُ الصحفي الفلسطيني سامي أبو سالم، إن "فشل المحادثات بين الطرفَين كان متوقّعاً، وأنه لو كان الأمر مغايراً لذلك لدخلنا في حالة من الاستغراب والتفسيرات"، مُنوهاً إلى أن محادثاتِ المصالحة تحملُ أجنَّةَ الفشل قبل انطلاقها.
وحمّل أبو سالم في تصريحه لـ"القدس"، مسؤولية فشل جولة المصالحة الأخيرة لحركة حماس، حيث قال "حماس تضع العصي في الدواليب، وترفضُ بشكلٍ سافر أو منمَّق أي جهود للمصالحة، فالمصالحة تعني عودة غزّة لحضن الشرعيّة الفلسطينيّة والمشروع الوطني، وهذا يتنافى مع أبجديَّاتها".
وحول رعاية دولة قطر للمحادثات، شكَّك بقدرة الدوحة على تحمُّل مسؤولية رأب الصَّدع بين الأخوة وإعادة اللُّحمة بين الفلسطينيين، ملمّحاً إلى أنّ قطر لها دور بارز في الانقسام وتغذيته، ومُتسائلاً "كيف ستسعى لإنهاء وضع هي إحدى أدواته؟".
ورأى أبو سالم أن الحلّ الوحيد للخروج من أزمة الانقسام يكمن في موافقة حركة حماس على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في إطار توافق وطني وبدون شروط مسبقة، وبإنهائها انقلابها في غزة.
وأضاف "إن لم يكُن هناك ضغط مصري حقيقي، فلن يكون هناك أملٌ للمصالحة، حيث أن حركة حماس كذراع لحركة الإخوان المسلمين في مصر، لن تسلِّم آخر قطعة يسيطر عليها الإخوان في المنطقة بتلك البساطة".
ومن جانبه لم يُبدِ الشّاب إبراهيم الشّنا استغرابَه من نتائج المحادثات التي أُعلِن عنها، مُحمِّلاً مسؤولية ذلك لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضّفة الغربيَّة، حيث قال لـ"القدس": "السبب الرئيس للفشل هو عدم خروج أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضّفة الغربيّة وباقي الفصائل الفلسطينيّة لاستنكار ورفض وجود حكومتَين والاعتراض عليهما".
وأرجعَ المواطن ناصر الفقعاوي فشل هذه الجولة لسبَبين، أولهما المكان، مشيراً إلى أن قطر شاركت في الانقلاب على السلطة من خلال دعمه، مما يجعلُ كونها راعيةً للمصالحة أمراً خارجاً عن حدود المنطق، وثانيهما عدم قدرة طرفَي الخلاف على الاتفاق على برنامج مقاومة داعم للمسار التفاوضي لإرجاع الحقوق المسلوبة من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف لـ"القدس": "نحن جميعاً نتحمّل الفشل ومسؤوليّته، كافة التنظيمات والدول الحاضنة للمصالحة أيضاً، لأن مدة الانقسام طالت، ولا أعتقد أنه ما زال هناك خط رجعة سوى بحدوث معجزة إلهيّة تعيد الوحدة إلى البيت الفلسطيني".