طوني عيسى
ليست صيدا جزءاً من بقعة النار الحدودية الممتدة من طرابلس - عكار إلى الهرمل - عرسال. لكن الإشاعات والهواجس تملأ المدينة ومخيم عين الحلوة.
فيما كانت طرابلس غارقة في المعارك، ظهرت عناصر توتير جديدة قديمة في صيدا. فـ"اللقاء التشاوري" بدا في الأيام الأخيرة وكأنه مُصرٌّ على فتح ملفين:
- "سرايا المقاومة" التي يقودها "حزب الله".
- الموقوفون الـ41 على خلفية حوادث عبرا.
وإذ أكدت النائب بهية الحريري في إجتماع "اللقاء" الأسبوع الفائت،عدم تخوّفها من إنتقال الشرارة الطرابلسية إلى صيدا، أعلنت موقفين بارزين:
- "كنّا بشقتين في عبرا، فأصبحت عبرا كلها شققاً... وعلى الدولة أن تتدخل في صيدا لحماية الناس من ممارسات "السرايا"؟
- لماذا الإبقاء على الموقوفين في ملف عبرا، بلا محاكمات، وفي حال سيئة في سجن رومية؟ وهذا الموقف يحوِّل موقوفي عبرا نموذجاً ثانياً لموقوفي البارد الذين تحوّلوا أزمة تركت تردّداتها.
وثمة إتجاه صيداوي، يدعمه المفتي سليم سوسان، للتحرك لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش في الملفين، مع مذكرة لمعالجة وضع الموقوفين. وهذه المواقف أثارت حفيظة "الحزب" وحلفائه في المدينة، علماً أن هؤلاء الحلفاء يلتزمون التحفُّظ أو الصمت إزاء هاتين المسألتين الحساستين. فهم ليسوا قادرين على تغطية مواقف "الحزب" و"سرايا المقاومة" ومسألة الموقوفين خلافاً للمزاج الصيداوي. وفي المقابل، هم ليسوا راغبين في إعطاء خصومهم الصيداويين ورقة يمكنهم إستغلالها.
وكانت علاقة "التنظيم الشعبي الناصري" بـ"السرايا" مرَّت في مرحلة صعبة خلال العامين الفائتين، وجرت بينهما مواجهات دموية أحياناً في شوارع المدينة. وإعتبر "التنظيم" أنه "كالزوج المخدوع أحياناً، آخر من يعلم" بممارسات "السرايا".
وفي هذه الأجواء، يبدو أن هناك من أراد تسريب إشاعات عن عبوات مفخخة في المدينة، تبيّن أنها كاذبة. وزاد في السخونة ما شهده مخيم عين الحلوة من تطورات، في الأسابيع الأخيرة. فمسار التصفيات الجسدية والتعديات المفاجئة والمتفرقة التي تستهدف الشوارع داخل المخيم مستمر. وجاء أخيراً إغتيال العنصر في القوة الأمنية المشتركة مسعد حجير ليشعل المخاوف من إنفجار الوضع.
وتَعُمُّ المخيم موجة بيانات ليس معروفاً إذا كانت مزوّرة أم لا، وموجة إشاعات عن تطورات دراماتيكية محتملة، ونشر أسماء للجناة وإتهامات لفئات فلسطينية بالوقوف وراء الجريمة. وتردّد أن تنظيم "أنصار الله" في صدد كشف أسماء الجناة والجهات التي تقف وراءهم، لكن التنظيم نفى ذلك.
ولم يتّضح مدى الخرق الذي يحقّقه الجهاديون الوافدون من سوريا إلى مخيم عين الحلوة، سواء تحت عنوان "النصرة" أو "داعش"، لكن المؤكد أن إسلاميي المخيم الذين تلقّوا ضربة بسقوط الشيخ أحمد الأسير، يتعرضون أيضاً لضغوط هائلة من جانب القوى الفلسطينية الأخرى لمنع إنفلاشهم والتسبب بكارثة.
ويبدو التوقيت هو الأكثر إثارة للهواجس في صيدا. ويقول البعض إن هناك جدلية أمنية بين طرابلس وصيدا جديرة بالملاحظة والمتابعة:
فقبل العام 2007، كانت بؤرة عين الحلوة هي الخزان الأكبر للتوتر. لكن الإنفجار الكبير لم يقع فيها، بل في مخيم نهر البارد، فيما حافظت عين الحلوة على سقف من الإستقرار يصونه طاقم التنسيق المشترك اللبناني الفلسطيني.
ومع إندلاع النزاع في سوريا، إنفجر الوضع في طرابلس وأستشرى التوتر في عرسال - الهرمل. لكن المعركة الحاسمة إندلعت في عبرا، وبقيت بقعتا الشمال والبقاع على حالهما.
واليوم، في أجواء الإشتباكات في طرابلس، هناك خوفٌ من إنفجار في صيدا - عين الحلوة. ولذلك، يحرص جميع المعنيين في المدينة والمخيم على عدم تكرار النموذج الطرابلسي فيها. علماً أن طرابلس نفسها تخشى تكرار نموذج عبرا.
إنها جدلية القلق المتنقّل بين أكبر مدينتين سُنّيتين في شمال العاصمة وجنوبها. ولكل منهما خصائصه النزاعية. فطرابلس - عكار- عرسال خاصرة سنّية عند الحدود الفاصلة بين علويي سوريا وشيعة البقاع. وأما صيدا فهي خاصرة سنّية عند باب الجنوب الشيعي. وظروف كل مرحلة هي التي تفرض أولويات المواجهة، جنوباً أو شمالاً أو بقاعاً.
فهل تنجو صيدا - عين الحلوة من إستحقاقها النزاعي؟ وفي عبارة أخرى، كم ستنجح في تأجيله؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها