عدتُ من عملي متأخِّرًا وباشرت فورًا بمشاهدة خطاب الأخ الرئيس.
قبل أن أشاهدَهُ وردتني ملاحظة من أحد "الرفاق" الموجودين في بولندا، وهو الذي يصرّ منذ فترة على أنَّ الحلَّ لكلِّ هموم فلسطين يبدأ وينتهي باستقالة الأخ الرئيس، كتب ما معناه: خطاب الأخ أبو مازن يؤسِّس لمرحلة جديدة..
شاهدتُ الخطاب وهو الذي استغرق ساعةً كاملةً، وازدادت قناعتي بأنَّ الأخ الرئيس هو عميد زعماء العالم، يُتقن فنَّ الخطابة مثلما يتقن حُبَّ القدس التي كادت أن تُنزل دمعته أكثر من مرة لولا أنَّه كان يؤدّي مهمّة تعليم أصول الرجولة لأُمّة بأكملها..
1. في حروب الطوائف:
أجمل ما أجده في حديث الأخ الرئيس أنَّه يصر دومًا أن يُقدِّم المسيحيين على المسلمين كلّما اضطره المقام للتمييز بين ديانتين تُشكِّلان سُورَ القدس المنيع، وكأنَّه يريد أن يقول لأُمّة مثخنة بجراح حروب الطوائف والقبائل والأصنام: خذوا قمحاً طيباً من هذه الحوصلة الفلسطينية!
2. في التاريخ: لقد أسهب رئيسنا في تفنيد الرواية الإسرائيلية الكاذبة عندما ذكَّرهم أنَّ أجدادنا اليبوسيين هُم مَن ترك لنا هذا الإرث الجميل عندما أنشؤوا بوابةً للسماء في الأرض ليصير اسمها القدس. ثُمَّ انتقل إلى بدايات الجريمة الكبرى -وعد بلفور- ليس فقط ليُعيد التأكيد على مطلبنا الوجيه باعتذار بريطانيا عن جريمتها، وإنَّما بتركيزه على حقيقة تغيب عن أذهان البعض: أمريكا شريكٌ لبريطانيا في هذه الجريمة.
3. في السياسة: يُتقن الأخ الرئيس فنَّ المرونة التي تقتل أعداءه، فهو يُهدِّد بترك أوسلو وراءنا، ويُذكِّر بتنصُّلنا من أي التزام سابق مع الإدارة الأمريكية، ويُطالب العالم المنافق بإعادة النظر في مسألة الاعتراف بدولة الاحتلال، إلّا أنَّه يُطالب مجددًا بأن تُسارع الدول التي لم تَنلْ بعدُ شرف الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى الفوز بهذا الشرف الآن. وكأنَّ الأخ الرئيس يقول: مطلَب انجاز الدولة الفلسطينية المستقلة ما زال عنوان برنامجنا الوطني الفلسطيني، ولن تغرينا المطالب الوهمية التي تقفز عن تلك الدولة، لأنَّنا إن فعلنا سنكون مثل تلك التي ذهبت "لتُصيّفَ" في الغور..
4. في الوطنية: كان رئيسنا بارعًا في نقل صورتَين لشعبنا مكمِّلتَين لبعضهما: صورة الفلسطيني المقدسي المرابط المقاتل القادر على هزيمة نتانياهو، وصورة المحتل الذي يتفنَّن في ابتكار وسائل التنكيل والتضييق والقتل والحصار على شعبنا.. لقد أجاد رئيسنا رسمَ صورة القدس والمقدسيين الذين يختزلون الآن صورةً شعبنا بأكمله، وكأنَّه يقول للمؤتمِرين: لقد اختار شعبي الدفاع عن القدس رغم شحّ الإمكانيات، وهذه فرصتكم للحاق به والانضمام إليه والفوز بجائزة الحصول على لقب: مرابط في القدس أو مساند للمرابطين فيها، فلا شيء أسمى من هذا اللّقب..
5. في اللغة: شكرًا أخي الرئيس على لغتك الواضحة التي تحرص على نقائها كي تصل الفكرة بأجمل ثوب، ففلسطين الجميلة لا يليق بها إلّا لغتك الجميلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها