أتساءل إذا ما كانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي مرتاحة الضمير وهي تحتفل بالذكرى المئوية لوعد بلفور، وإنها بالفعل مقتنعة بما تفعل؟ فهي لو كانت مقتنعة، فإنها بذلك تصر على كونها سليلة هذا الإرث الاستعماري وثقافته العنصرية المتعالية، وهي امتداد له وباحتفالها فإنها هي من يتحمل مسؤولية الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني نتيجة "الوعد" وهي بالتالي من يجب أن يدفع فاتورة هذا الظلم.

قد تدعي "ماي" بأنها مرتاحة الضمير، وهي تحتفل، لان بريطانيا أنصفت يهود العالم بهذا الوعد بعد قرون من الظلم والاضطهاد في أوروبا، وتحديداً في بلادها، وهي قد تقول إن بريطانيا هي من أوجدت حلاً للمسألة اليهودية للشعب الزائد في أوروبا ومنحته وطن خاص به.

 هذا الادعاء العنصري يغيب مسألتين، الأولى أن وعد بلفور جاء كجزء من مشروع استعماري كبير استهدف الأمة العربية عبر اتفاقية سايكس بيكو" 1916"، وكانت إقامة وطن قومي لليهود في قلب العالم العربي هي جوهر هذا المشروع. أما  المسألة الثانية التي تحاول "ماي" تغييبها وهي تحتفل بالذكرى المئوية للوعد بأن فلسطين التي منحتها لليهود المضطهدين هي وطن شعب آخر، وإنها أي بريطانيا أعطت ما هو ليس لها  لمن لا حق له. وتجاهلت وجود الشعب الفلسطيني وأنكرت حقوقه، وإنها اليوم تصر بهذا الاحتفال على استمرارها بالإنكار.

ما ندركه جيداً إن رئيس وزراء بريطانيا لا تحتفل لأنها أنصفت اليهود، إنها تحتفل بالنجاح  المبهر غير المتوقع لمشروعها الصهيوني الاستعماري. هذا المشروع الذي لم يصمد مئة عام وحسب، بل، هو حقق ابعد بكثير من الأهداف التي وضع من اجلها في حينه، فالاحتفال اليوم ليس على أنقاض الشعب الفلسطيني، فهذا أمر حصل منذ زمن، الاحتفال على أنقاض الأمة العربية بأكملها، التي ترزح  اليوم في ظل الحروب والدمار والتمزق، كما ترزح المنطقة في رمتها في نزاعات إقليمية بين دولها تستنزفها، في مقابل وجود إسرائيل قوية ومستقرة ومزدهرة. إن فاتورة الظلم الذي خلقه وعد بلفور، هي بحجم هذا الدمار لان الوعد وسايكس بيكو هما المشروع ذاته، مشروع الاستعمار البريطاني.

وبما يتعلق بنا نحن الشعب الفلسطيني، الضحية المباشرة لهذا الوعد والذي دفعنا ثمناً باهظاً له، فإننا ننتظر من أصحاب الوعد أن ينصفونا، ما دام الاحتفال هو مناسبة للحديث عن الإنصاف والعدل، فالحق للشعب الفلسطيني لا يترجم بمواقف أو تصريحات، بل يترجم بإرادة الفعل عبر اعتراف بريطانيا بخطئها التاريخي تجاه الشعب الفلسطيني وان تعتذر له، فلا يجوز إنصاف شعب على حساب شعب آخر، خصوصاً إن المنصف لا يملك ما تبرع به الوعد.

على بريطانيا  اليوم أن  تعترف على الفور بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، وان تعترف فوراً بدولته المستقلة التي اعترفت بها معظم دول العالم "137" لأن هذا الاعتراف سيقود إلى السلام العادل والشامل، والى الاستقرار والازدهار في المنطقة، وبذلك فقط تكون بريطانيا قد مسحت عار تاريخها الأسود، وحينها فقط يمكن أن نتحدث عن راحة ضمير.