)بمناسبة ذكرى صدور وعد بلفور البريطاني لإعطاء دولة لليهود في الأراضي الفلسطينية(
في 2\11\1917 ارتسمَت ملامح تدمير مستقبل الشعب الفلسطيني عبر الوعد الخطير الذي أرسله وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور إلى البارون روتشيلد اليهودي البريطاني. الشعب العربي الفلسطيني استشعر المخاطر مبكراً وبدأ تحرُّكه سياسياً وميدانياً، وخاضَ الاشتباكات مع العصابات الصهيونية التي وصلت إلى الأراضي الفلسطينية، وقامت باستعمار هذه الأراضي بدعمٍ من الوجود البريطاني العسكري الذي تحوَّل فيما بعد إلى انتداب بريطاني منذ العام 1922، وبدأت التشكيلات اليهودية من مختلف دول العام تتموضع على الأرض بالاتفاق مع جيش الانتداب، وبإدارة من الحركة الصهيونية.
تسميةُ هذا التصريح بالوعد تعود إلى تضمينه في صك الانتداب البريطاني على فلسطين في 20\6\1922، هذا وما نصّت عليه المادة الثانية من هذا الصك وجاء فيها: "تتولّى الدولة المنتدِبة مسؤولية إنشاء أحوال سياسية وإدارية واقتصادية في البلاد، وتضمن إقامة الوطن القومي للشعب اليهودي". والقراءة القانونية لصك الانتداب حسب ما نصّت عليه المادة الثانية تجعله خارجاً عن الشرعية الدولية، ذلك أنّ مفهوم الانتداب يتضمّن مفهوم الوصاية والائتمان. ولا شك أن وعد بلفور قام على مفاوضات سرية بين زعماء الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية.
إنَّ الوعد الذي أعطته بريطانيا هو من الناحية القانونية يعِد اليهود بوطن قومي في وقت لم يكن لبريطانيا أي صلة قانونية بفلسطين، فالوعد صدر العام 1917، بينما الانتداب أُسنِد لبريطانيا العام 1922. وهذا الذي حصل يتناقض مع شرعية عصبة الأمم، وخاصةً مع ما ورد في أحكام المادة (20) التي تنص:
"يقر جميع أعضاء عصبة الأمم، كلٌّ فيما يعنيه، بأن هذه الشرعية تلغي جميع الالتزامات أو الاتفاقات الدولية المتعارضة مع أحكامها، وهم يتعهّدون رسمياً بأنهم لن يعقدوا في المستقبل أي اتفاقات مماثلة، وإذا تقيَّد أحد أعضاء العصبة قبل دخوله فيها بالتزامات لا تنسجم مع أحكام الشرعية فعليه أن يتَّخذ التدابير الفورية للتخلُّص من تلك الالتزامات". وهذه المعلومات أكَّدتها موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية التي حرَّرها الدكتور محمد اشتية. إنَّ ما فعلته بريطانيا كان تجاوزاً فاضحاً للقانون الدولي الذي يعارض صراحةً بسط السيادة البريطانية خارج أراضيها، وعلى غير رعاياها ومواطنيها.
لقد تمَّ الكشف عن مضمون تصريح بلفور، وما جاء في اتفاقية سايكس – بيكو التي أبرمتها بريطانيا في أيار 1916، بعد قيام الثورة الروسية في عام 1917، وقد تمَّ إبلاغ الشريف حسين بمضمونها، وعندها أبرقَ وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى الشريف حسين ناكراً وجود هذه المعاهدة.
ظلَّت بريطانيا ولغاية 1948 منحازةً إلى الحركة الصهيونية. وهي ساعدت على وجود دولة داخل دولة، وسمحت للحركة الصهيونية أن تأتي بالمهاجرين، وأن تنقل رؤوس الأموال اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، وقامت ببناء جيشها داخل المنظمات الصهيونية المعروفة. ومن هنا فإنَّ بريطانيا تتحمَّل المسؤولية الكبرى في ما أصاب شعبنا من نكبة وتشرُّد وعذاب متواصل.
يا جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات، وانطلاقاً ممّا تقدّم، فإنَّ الترجمة الحقيقية لهذه الجريمة التي ارتكبتها بريطانيا من خلال مؤامرة وعد بلفور لليهود بوطن قومي على الأراضي الفلسطينية، وهذا ما أدّى إلى تشريد شعب آمن كان موجوداً على أرضه منذ فجر التاريخ، وأصبح أكثر من نصفه اليوم مشرّداً ومشتّتاً في كل بقاع الأرض. وبقرار دولي ونقولها بمرارة وغضب وألم، تمَّ الاعتراف بشيء اسمه (دولة إسرائيل) على الأراضي الفلسطينية، بينما هذا العالم ذاته حتى الآن لم يعترف الاعترافَ الكامل، بدولة فلسطين على الأراضي المحتلة العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا الظلم التاريخي جعل القيادة الفلسطينية، وعلى كل المنابر الدولية، تطرح قضية الشعب الفلسطيني، وأرضه، وحقه في تقرير مصيره أسوة بكل دول العالم مستندةً إلى الحقائق الجوهرية التي لا يستطيع أحدٌ إنكارها. وبدأت التصعيد لوضع النقاط على الحروف مستندةً إلى مئات القرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة، وعن مجلس الأمن وكافة المؤسسات الدولية. ونحن اليوم ومن داخل هذه المؤسسات الدولية حيث أصبحنا أعضاء فيها نضع العالم أمام مسؤولياته، وأن لا يبقى مغمَض العينين لا يرى سوى المصالح الصهيونية، وتعزيز الاحتلال الإسرائيلي، والاستيطان الذي التَهمَ معظم أراضي الضفة الغربية، ومن هنا فإنّنا، وفي هذه المناسبة الأليمة التي أسهمت في بناء كيان استعماري غريب على أرض فلسطين التاريخية نؤكّد ضرورة التزام صنّاع القرار الدولي بما يلي:
1- وقف العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني، وأرضه، ومقدّساته، وحقوقه الوطنية منذ أُخِذ قرار التقسيم في 29\11\1947 وحتى الآن عملياً
2- على الولايات المتحدة التي هي أساس البلاء والتي تشكِّل غطاءً سياسياً وعسكرياً وأمنياً للكيان العنصري الصهيوني وقف استخدام "الفيتو" ضد أي قرار يُنصف القضية الفلسطينية
3- إنَّ التواطؤ من بعض دول العالم المتآمرة على وجود ومصير شعبنا، والإصرار على استمرار مأساته إكراماً للحركة الصهيونية العالمية، هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن وجود الإرهاب بكل أشكاله، وهو الذي يضرب المنطقة بأسرها خدمة للمشروع الصهيوني، وتدميراً لمكونات الأمة العربية في الوطن العربي
4- إنَّ الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة، وخاصة إزالة الاحتلال والاستيطان من أرضه، ودعمه لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الذين شردوا من أرضهم بفعل المجازر والإرهاب هو العامل الوحيد الذي يعيد الاستقرار، والأمنَ، والتطور الحضاري، واستبعاد الحروب، والمجازر، والصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية التي عصفت بالعالم العربي ودمَّرت دولاً بكاملها، وضرب لهيبُ نارها مناطقَ عديدة في أوروبا وغيرها
5- من حقّنا كشعب فلسطيني وأمام مسلسل الجرائم، وعمليات القتل، وتدمير البيوت، وكافة مقومات الحياة في فلسطين المحتلة أن نطالب المجتمع الدولي باتخاذ قرار واضح بتأمين حماية شعبنا من بطش وإرهاب الاحتلال المتمرّد على كافة قرارات الشرعية الدولية
على بريطانيا التي كانت السبب المباشر في مأساتنا، وضياع أرضنا، والتنكيل بشعبنا وتشريده أن تتحمَّل مسؤولياتها كاملة والإعلان عن سلسلة من المواقف التي هي من حقنا عليها:
أ- الاعتراف الكامل بالجريمة التي ارتكبتها عَبْرَ وعد بلفور لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين
ب- الاعتراف الكامل بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتنفيذ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي شُرِّدوا منها، والاستناد في هذا الحق إلى القرار الأُممي 194
ج- أن تدعم بريطانيا قرارات الشرعية الدولية التي تتعلق بمصير شعبنا، وإنصافه من خلال دعم حقوقه المشروعة، وخاصة حقه في الحماية الدولية
إنَّ ما نطلبه من المجتمع الدولي، وتحديداً من بريطانيا لدعم حقوق شعبنا يستوجبُ منا فلسطينياً الوقوف عند مسؤولياتنا بجدية لأن هذا هو الذي يدفع العالم لاحترامنا:
أ- أن نكرِّس جهودنا لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال إنهاء الانقسام، وتنفيذ ما تمَّ الاتفاق عليه في القاهرة بأمانة
ب- الإيمان الكلي بأن الوطن واحد، وأنَّ الشعب واحد، وأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأن الانتخابات الديمقراطية هي التي تقود إلى تجديد الشرعيات، وإلى تحديد مضمون الخيارات، وهذا كله يتطلّب الشراكة الحقيقية بين أبناء الشعب الفلسطيني
ب- إنَّ الإسراع في عقد مؤتمر حركة "فتح" وإعطاء الأولوية في الحوارات والجلسات والقرارات لإعادة صلابة وتماسك حركة "فتح" وإمساكها بزمام المبادرة في تفعيل دورها القيادي هو إحدى الضمانات لاستمرارية الكفاح الوطني الفلسطيني
ج- إنَّ الاتفاق على عقد المجلس الوطني الفلسطيني، والتحضير له جيّداً، والسعي لمشاركة كل الاطراف في جلساته، ومناقشاته، وقراراته الوطنية والسياسية والتنظيمية هو الرافعة للوضع الفلسطيني والقضية الفلسطينية
نحن في حركة "فتح" ندعو أبناء شعبنا في كل أماكن وجوده إلى نبذ الفرقة، والخلافات والنزاعات الداخلية، والتهيّؤ لأخذ موقع الصّدارة في مقاومة الاحتلال، وإزالة الوجود الاستعماري من أرضنا، وخوض معركة التحدي السياسي في المحافل الدولية لتثبيت حقوقنا الوطنية المشروعة.
النصر لشعبنا شعب الشهداء والتضحيات
النصر لأسرانا البواسل أبطال الصمود والتحدي
النصر لشعب الجبّارين، شعب فلسطين بكل قواه المناضلة من أجل الاستقلال والحرية
وإنها لثورة حتى النصر
حركة "فتح" – إقليم لبنان
2\11\2016
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها