في مثل هذا اليوم من عام 2002م، كانت مدن الضفة الغربية على موعد مع انطلاق عملية "السور الواقي" -وفق تسمية الاحتلال - سعياً إلى استئصال جذوة المقاومة والعمليات الاستشهادية التي زلزلت الكيان "الإسرائيلي".

فلم يكن قد مر يوم واحد على عملية فندق "البارك" القسامية في قلب مدينة "نتانيا" المحتلة، حتى جن جنون رئيس حكومة الاحتلال وقتئذ أريئيل شارون، ليعلن اجتياح الضفة المحتلة بالكامل فيما عُرف بعملية "السور الواقي".

عملية "البارك" ذات الوقع الشديد على دولة الاحتلال، نفذها الاستشهادي القسامي عبد الباسط عودة وأسفرت عن قتْل 36 إسرائيلياً، وإصابة 190 آخرين، وتوجت شهراً بطولياً من العمليات الاستشهادية.

أطلق شارون على ذلك الشهر "آذار الأسود" إذ قُتل فيه 105 من الإسرائيليين، بينهم 26 جندياً، خلال العمليات الاستشهادية، فما كان منه إلا أن أعطى الضوء الأخضر لاجتياح الضفة، متوهماً بقدرته على إنهاء انتفاضة الأقصى.

وبدأت العملية

في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة الموافق 29/3/2002، شرعت قوات الاحتلال معززة بمئات الدبابات وناقلات الجند وبغطاء جوي، باجتياح مدن الضفة كافة، بدءاً من رام الله بمحاصرة مقر الرئيس الراحل ياسر عرفات وعزله في مكتبه.

استشهد ستة من كوادر القسام باشتباك مسلح في طوباس في الأيام الأولى من عملية السور الواقي في الخامس من أبريل، كان على رأسهم القائد المهندس قيس عدوان من مدينة جنين المسؤول عن سلسلة عمليات استشهادية.

خرج شارون في خطاب له في 8/4/2002، ليؤكد استمرار العملية وبقاء جيشه في مناطق تواجده حتى تحقيق أهدافه بتفكيك البنية التحتية للمقاومة، وإفشال العمليات، مع رفضه فكرة المفاوضات مع أي طرف، والسعي إلى حل مرحلي طويل.

أسطورة جنين

قادت "جنين القسام" المعركة الأبرز على مدار عشرة أيام، بقتْل قرابة 40 جندياً، وإصابة 140 آخرين، 13 منهم في يوم واحد في 9 أبريل خلال كمين محكم للقسام نفذه الشهيدان محمد وأمجد الفايد ومعهم الشهيد نضال النوباني من كتائب الأقصى في حارة الحواشين.

وتحت وقع الصدمة من سقوط عدد من الجنود، ارتكب الاحتلال مجزرة في المخيم ارتقى فيها أكثر من 100 شهيد حسب مصادر فلسطينية، وجُرح 355 آخرون، جرى انتشال 57 منهم فقط، بينما نقل الاحتلال بقية الجثث ودفنها في الأغوار، بعد تجريف الاحتلال للمنازل ونسفها على ساكنيها باتباع سياسة "الأرض المحروقة".

كما ارتقى 15 مجاهداً قسامياً في المخيم، أبرزهم القائد محمود الحلوة، ومن سرايا القدس الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، القائد محمود طوالبة.

في المقابل، سطر رجال المقاومة ثاني أشرس المعارك في ملحمة حي القصبة البطولية في البلدة القديمة بنابلس، قُتل فيها قرابة 42 جندياً إسرائيلياً، وأصيب 118 آخرون، فيما ارتقى 90 شهيداً فلسطينياً وأصيب قرابة 200 آخرين.

هل تحققت الأهداف؟

لم تستسلم المقاومة، فقاتلت واستبسلت في قتال جنود الاحتلال حتى نفاد كل ما في جعبتها من ذخيرة، ليستفرد الاحتلال بالمدنيين العزل في منازلهم بدم بارد، كما منعت الطواقم الطبية من الوصول إلى إنقاذهم، إمعاناً في مواصلة المجزرة وإخفاء فصولها عن الإعلام.

ورغم المجازر، إلا أن شارون حاول رسم صورة النصر في خطاباته على مدار أيام العملية، ملمحاً إلى سعي جيشه إلى تنفيذ المرحلة الثانية من العملية، لكنه الخوف بدد أوهام انتصاراته على وقع صمود المقاومين، حتى أعلن انتهاء العملية في الحادي والعشرين من أبريل.

ارتقى خلال اجتياح الضفة أكثر من 250 فلسطينياً، بينما أعلن الاحتلال اعتقاله حوالي 5000 فلسطيني خلالها، منهم 1400 من كوادر المقاومة، ومصادرته مئات العبوات الناسفة والأسلحة من السلطة، وتدمير مقر المقاطعة وعزل عرفات.

هذه هي الصورة التي سوّقها الاحتلال لرسم صورة نجاحه في إيقاف العمليات الاستشهادية، إلا أن عسكريين في دولة الاحتلال وصموا العملية بـ"الفشل"، متسائلين عن موقف شارون حال تواصلت العمليات الاستشهادية.

وهو ما حدث بالفعل، إذ تواصلت مسيرة المقاومة، ولم يدرِ الاحتلال أن قائد القسام الأول بجنين نصر جرار وضع بصماته على عملية نوعية في صفد، صدم بها الاحتلال في 4 أغسطس، بعد 4 أشهر من انتهاء "السور الواقي".

العملية نفذها الاستشهادي جهاد حمادة من بلدة برقين بجنين قتل فيها 12 إسرائيلياً، لتكون كفيلة بالإعلان عن فشل السور الواقي الذي صدعه صمود المقاومين، وهدمه تواصل جهادهم ومقاومتهم حتى تحرير فلسطين.