فاجأ رئيس «وحدة الأبحاث» في شعبة الاستخبارات العسكرية "لإسرائيلية" العميد إيلي بن مئير، قيادة الجيش، بطلب تسريحه من الخدمة، جراء استمرار الخلافات بينه وبين رئيس الشعبة، الجنرال هرتسي هاليفي.

وجاء الإعلان عن هذه الاستقالة التي هزت شعبة الاستخبارات، بعدما فشلت مساعي رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت في إجراء مصالحة داخل قيادة الاستخبارات.

ومعروف أن «وحدة الأبحاث» في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية تعتبر الأكثر أهمية في الشعبة، ولها دور كبير في تحديد السياسة العامة لـ «الدولة»، لمكانتها في رسم «التقدير القومي» للمخاطر والفرص.

وهكذا، وبشكل مفاجئ، أعلن رئيس «وحدة الأبحاث» عن استقالته، وخروجه من الخدمة قبل موعده الأصلي. وأشار الجيش إلى أن رئيس الأركان قَبِل الاستقالة. وأكدت جهات مختلفة في الجيش أن بن مئير كان على خلاف دائم مع رئيسه هاليفي، وأنه لم يتم بعد تحديد البديل.

واضطر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى الإعلان عن أن الاستقالة لم تتم على أرضية «خلافات مهنية»، وأن «رئيس الأركان الجنرال آيزنكوت قرر أن يحترم طلب رئيس وحدة الأبحاث، العميد إيلي بن مئير، بإنهاء خدمته في موعد أبكر مما كان مقرراً خلال الشهور القريبة.

إن استقالة الضابط ليست مرتبطة بالخلاف على موضوع مهني استخباري. والأمر يتعلق بضابط يحظى بالتقدير، مخلص ومحترف، خدم في الجيش حوالي 30 عاماً في مناصب عليا في شعبة الاستخبارات».

ونقلت وسائل إعلام مختلفة عن جهات عليا عملت سابقاً في الاستخبارات أن القرار مدوٍ، لكنه كان متوقعاً. وقال أحدهم إنه «ليس واضحاً في هذه المرحلة إن كانوا أشاروا له إلى الباب، أم أنه ضجر من الخلافات القائمة. ولكن يمكن قول أمرين: العنوان كان على الجدار منذ زمن، وبالتأكيد يشكل هزة أرضية في شعبة الاستخبارات. وبن مئير مشهور في أسرة الاستخبارات. وهو حاد جداً ويبدي رأيه، ويتمسك جداً بموقفه، وعندما لا يبدي الطرفان مرونة، فإن الأمر ينتهي عموماً بانفجار».

من جهته، ذكر المراسل العسكري لموقع «والا» الإخباري، أمير بوحبوط، أن القادة في الاستخبارات لم يقعوا عن كراسيهم عند سماعهم نبأ استقالة بن مئير. ففي الغرف المغلقة، كانوا يتحدثون عن شبكة علاقات متوترة جداً بينه كضابط استخبارات محترف، وبين هاليفي، وهو رجل عمليات يتولى للمرة الأولى منصباً في هيئة الأركان.

وأوضح بوحبوط أنه «كان واضحاً لرجال الاستخبارات في الأسابيع الماضية أن شيئاً ما على وشك الانفجار». ونقل عن مصدر استخباري مطلع قوله إن «الأمر لا يتعلق بسجال حول التقديرات الاستخبارية، وإنما حول الصلاحيات، وفي الأساس خلافات شخصية. وقد حاول رئيس الأركان تسوية الأمر بينهما مرات عدة، ولم يفلح».

وتعتبر رئاسة «وحدة الأبحاث» إحدى المناصب الأعلى والأهم في الجيش الإسرائيلي. وهناك من يرى أن شخصية رئيس «الوحدة» تغطي بجوانب معينة شخصيات عدد من أعضاء هيئة الأركان، وذلك لأنه الرجل الذي يعد «التقدير القومي» واستقلاليته مرسخة في تقرير «لجنة أغرانات» التي حققت في أحداث حرب تشرين العام 1973. وهناك حالات لا يتحدث فيها رئيس شعبة الاستخبارات إلا بلسان رئيس «وحدة الأبحاث»، فضلاً عن أن أبواب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه دوماً مفتوحة له.

وبموجب دورها، فإن «وحدة الأبحاث» وفق رئيس الوحدة السابق العميد إيتاي بارون في كتابه «البحث الاستخباري»، هي «أولاً وقبل أي شيء، مؤسسة لاستيضاح الواقع، وفي الأساس لفهمه. ودور رجال الأبحاث لا يتلخص في استيضاح الواقع وعرضه أمام صناع القرار، على أهمية ذلك، وإنما غايتهم الأساسية، بفضل مكانتهم الفريدة، وبسبب المعرفة التي بحوزتهم، وبسبب قدرتهم على تطوير خبرات جديدة ذات صلة بالعدو والمحيط، فإنهم أيضاً ضالعون بشكل معمق في سيرورات صياغة السياسة وتخطيط العمليات على مختلف المستويات».

وأضاف بارون أن «البحث الاستخباري يوفر المعطيات، والمعلومات والخبرة المعدة لأربعة مستويات مختلفة - من رئيس الحكومة ووزير الدفاع، مروراً برئيس الأركان، وقادة الجبهات والأذرع، وصولاً إلى المقاتلين في البر والجو والبحر وحتى في المجال السايبيري. والحديث يدور عن أربعة أنواع من الاستخبارات النابعة من احتياجات التفكير، القرار والعمل الخاص لكل مستوى: استخبارات قومية، استخبارات استراتيجية، استخبارات عملاتية واستخبارات تكتيكية، وهذا يفسر مسؤولية وقوة المنصب».

وكانت الفترة التي عمل فيها بن مئير في رئاسة الوحدة، من كانون الثاني 2015، معقدة على خلفية الاتفاق النووي مع إيران والأحداث في سوريا، وتطور «داعش»، ودخول الجيش الروسي إلى الشرق الأوسط، وانتفاضة السكاكين التي ترافقت مع عمليات دموية وأحداث لن تسمح الرقابة بنشرها في السنوات المقبلة.

وطوال السنين، وقعت خلافات شديدة بين رؤساء الشعبة ورؤساء الوحدة، ولكن هذه المرة هي الأولى التي يستقيل فيها رئيس وحدة ويذهب إلى بيته. وقال مسؤولون استخباريون سابقون إن بن مئير ضجر من سلوك هاليفي تجاهه، ولذلك قرر الاستقالة. وعموماً، قرار الاستقالة يأتي في وقت حرج من الناحيتين الأمنية والسياسية في ظل صعوبة تأهيل بديل.