ثريا حسن زعيتر:

بين الإصلاح والتطوير، يمضي «مستشفى الهمشري» التابع لـ «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني» في منطقة المية ومية – صيدا، في طريقه لإستعادة ثقة المرضى، بعدما اهتزت بسبب الإجحاف الذي لحق بالأطباء والممرضين والعاملين، والذي انعكس إهمالاً حيناً، وتراجعاً في تقديم الخدمات أحياناً..

لكن منذ أن تسلمت الإدارة الجديدة المهام بروح الشباب والمسؤولية، قرروا خوض التحدي لتحقيق النجاح، فبدأت الخطوة العملية بإعادة ترميم وتأهيل المستشفى وأقسامه من الحجر إلى البشر، على أمل تحقيق الهدف المنشود، في توفير أفضل علاج واستشفاء للمرضى الفلسطينيين الذين يُعانون تقصير «الأونروا» وارتفاع كافة الاستشفاء في المستشفيات الخاصة..

كثيراً ما طالب الأطباء والممرضون والموظفون بزيادة الرواتب المتدنية وتحسين الضمان الصحي والتقاعدي والعلاوات، وتعويض نهاية الخدمة، وتحسين وتطوير الأداء التقني والمهني في مستشفيات ومراكز الجمعية، وإجراء عملية إصلاح وصولاً إلى التطوير، حيث نفذوا عدة اعتصامات بهدف رفع الصوت، ما جعل إدارة الجمعية تًولي الأمر جلّ الاهتمام، لتنطلق مرحلة جديدة لبناء مؤسسة حقيقية تتناسب مع التقدّم الحضاري، وتحترم فيه قيمة الإنسان وحياته، وتقدّم لشعبها أفضل الخدمات الصحية اللازمة..

«لـواء صيدا والجنوب»، زار «مستشفى الهمشري» واطلع على أقسامه الجديدة المُحدثة، والتقى مديره الدكتور رياض سلطان أبو العينين ليطلع منه على كل التفاصيل..

مستشفى مركزي

يًعتبر «مستشفى الهمشري» أحد مستشفيات «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني» في لبنان، وهو المستشفى المركزي، ويقع ضمن «مجمّع الدكتور فتحي عرفات الطبي»، الذي يضم إلى جانب المستشفى، مستودع الأدوية المركزي و«معهد القدس للتمريض»، وقد تأسس سنة 1987 في المية ومية – صيدا، وتبلغ مساحته 16840 مترا مربعا، ويتألف من 5 طوابق، ويضم: قسم لغسيل الكلى، قسم باطني وأطفال، قسم توليد وأمراض نسائية، قسم جراحة، قسم عناية فائقة، قسم للطوارئ، قسم عيادة الأسنان، غرف للعزل ومختبر متطوّر.

ويقول مدير المستشفى الدكتور رياض أبو العينين: «منذ تسلمنا الإدارة، وضعنا خطة عمل وتطوير تمتد من 3-5 سنوات، وتشمل تطوير الكادر الطبي في المستشفى والأقسام، إضافةً إلى المعدات وتحديثها وشراء جديدة، فقمنا بتطوير أقسام العناية الفائقة، ثم الطوارئ والأشعة، وفي المرحلة المقبلة سوف نقوم بتطوير القسم النسائي والتوليد، وقسم العناية بالأطفال حديثي الولادة، حيث وضعنا نصب أعيننا تطوير المستشفى ليكون بمستوى المستشفيات الخاصة اللبنانية في منطقة صيدا».

خطة التطوير

{ ويضيف: «لدينا خطة خلال هذه السنة لافتتاح مركز لتمييل القلب داخل المستشفى، وهناك بعض الأطباء الفلسطينيين في الجامعة الأميركية بادروا إلى إعداد دراسة عن المرضى الفلسطينيين الذين يقومون بتمييل أو «قسطرة» للقلب خلال فترة 9 أشهر، تبين أنهم يدفعون نحو 500 ألف دولار أميركي، فوجدنا أنه يُمكننا افتتاح قسم للقلب المفتوح داخل المستشفى، ونوفر هذا المبلغ على المرضى الفلسطينيين».

ويتابع الدكتور أبو العينين: «شاركنا في مؤتمر عقد في فندق «روتانا»، عبارة عن ورشة عمل، لممثلي معظم الجمعيات التي تقوم بدعم «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني» مادياً، والمعنية بالشأن الصحي الفلسطيني، وناقشنا مُقترحات عملية لكيفية افتتاح قسم لتمييل القلب داخل مستشفى الهمشري».

وبفخر يقول: «بعد أن تسلمت إدارة المستشفى، لا أقول الرضى 100%، ولكن نقول الرضى بين 70-75%، والسبب ليس عدم وجود خطة التطوير، فهي موضوعة وجاهزة، ولكن بسبب ضعف الإمكانيات المادية، و«جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني» لم تكن مثل باقي الجمعيات تدعمها مؤسسات دولية»، كان لدينا مشروع «الإيكو» المدعوم من الاتحاد الأوروبي لتأمين الأدوية السنوية لـ «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني» في كل لبنان، هذه السنة تم توقيفه، وأصبحنا نشتري الأدوية، علماً أنه كان يُوجد مشاريع كثيرة داخل «الهلال الأحمر» يؤمّنها الاتحاد وبعض الدول، أما الآن فهي شبه متوقفة».

ويؤكد «إن عملية الإصلاح مستمرة من حوالى سنة ونصف السنة، وحتى الآن تم تغيير الكثير في «مستشفى الهمشري»، ونتيجة ضعف الإمكانيات، غير قادرين أن نقدم بإصلاح وتطوّر كامل للمستشفى، فدخلنا إلى كل قسم بقسمه - أي عند إنهاء العمل في القسم الأول، نتقل إلى قسم آخر، لأن ضعف الإمكانيات يحد من الإصلاح والتطوّر دفعة واحدة، ربما أن الخطوات بطيئة، لكنها مستمرة، كذلك توجد إصلاحات على مستوى إداري وطبي».

نظام مُوحّد

{ ويوضح «إن الإصلاحات على المستوى الإداري تتمثل بنظام إداري مُوحّد داخل المستشفى - أي كيفية التعاطي الإداري بشكل سليم مع المرضى ومع الجسم الإداري فيما بينهم، وتوحيد الملفات الطبية، وأرشفتها وهذه أنتجت نظاماُ داخل المستشفى، الذي كان مُشكلة كبيرة ومن أكبر العقبات أمامنا، فالنظام تم تطويره وتحديثه لكي يُناسب المريض ويُعطي سهولة التعامل معه على قاعدة الحقوق والواجبات».

ويتابع: «أما على المستوى الطبي» فالخطة رفعت أَسرة العناية الفائقة من 4-6 أسرة، لأنها كانت غير كافية لمنطقة صيدا، ونحن في المستشفى نقوم بتغطية حوالى 80 حتى 90 ألف لاجئ فلسطيني، هؤلاء فقط اللاجئين الفلسطينيين، غير الفئات التي لم تكن مسجلة في «الأونروا» والفئات مثل السوريين والمصريين، هؤلاء يأتون دائماً لدينا لرخص الأسعار من المستشفيات الأخرى، و4 أَسرّة كانوا دائماً يوجد فيهم مرضى، وإذا أُحضر مريض على القسم، ولم يجد مكاناً له سيتحول للخارج، و«الأونروا» تغطي هناك فقط 30% من التكلفة، فأصبح يدفع المريض كل ليلة مليون ليرة لبنانية فرق «الأونروا»، ومريض العناية الفائقة لا يخرج في مدة أقل من أسبوع وشهر، فخططنا لرفع عدد الأسرّة فأصبحوا 6 أسرّة، وهذا يُخفف كثيراً على المريض، وقد أصبح المكان جاهزاً مع تمديدات الأوكسجين و«النايترس» وهو ما كان ينقص فقط الأجهزة، وكل جهاز يُكلف لكل سرير بين 10-15 ألف دولار أميركي، فتبرع بذلك الإخوة في «منتدى رجال الأعمال الفلسطيني - اللبناني»، وكان القطريون قد وعدوا بالمساعدة، لكن لديهم مشاكل، والآن لم يتم تأمين هذه المساعدة».

استحداث أقسام

{ ويوضح «نحن بصدد تحديث الأسرّْة والتكييف، بعدما قمنا باستحداث أقسام جديدة مثل: قسم للعزل، وضعنا فيه غرفتين وغرفة درجة أولى، من أجل أن لا يكون هناك مبرر لأي مريض أمام «الأونروا» كي يخرج إلى مستشفى أخر، ونسعى إلى تحديث كل قديم، لكننا بحاجة إلى مبالغ ضخمة».

ويرى أبو العينين «أن أكبر مُشكلة نواجهها الآن، هي أزمة النازحين السوريين والفلسطينيين من سوريا، فوضعهم الاجتماعي صعب جداَ، فيلجأ إلينا يومياً ما بين 10-20 حالة دخول إلى المستشفى، ولا يملكون أي قرش، لذلك نناشد الجمعيات والمؤسسات الدولية، أن يتم إيجاد حل لهذا الموضوع الصحي للنازحين».

ويشير إلى «أن الرواتب، هو عامل إحباط لدى الموظف في «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني»، إذ أن الطبيب الفلسطيني داخل الجمعية يقارن نفسه بزميله الطبيب اللبناني والفرق المعيشي بينهما، ويشعر أنه يعمل ويُعطي كل جهده ووقته لخدمة هذه المؤسسة والمريض، ولم يأخذ حقه، نحن أصبحنا نخجل عندما نقول إن راتب الطبيب في «الهلال الأحمر» قليل جداُ، ولا يصدقون، ويفكرون إننا نُبالغ، بينما لا يوجد مدخول آخر، من المفروض أن يعيش الطبيب بمستوى معيّن، والقوانين اللبنانية تمنع الطبيب الفلسطيني أن يفتح عيادة، أو يعمل في مستشفيات لبنانية، وهو ما يزيد «الطين بلّة»، والآن رفعنا صوتنا إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن»، حيث شكّل لجنة، وزارنا وزير الصحة الفلسطيني الدكتور هاني عابدين ومسؤول الملف الصحي في مكتب الرئاسة الدكتور مدحت طه، لدراسة الوضع الصحي الفلسطيني بكل جوانبه، وتطرقنا إلى موضوع رواتب الأطباء والممرضين داخل المؤسسة، بناءً على تقرير هذه اللجنة سيتم تشكيل لجنة تدرس الموضوع».

عدم التدخّل بالسياسة

{ ويشدد على «أهمية تأهيل الطبيب الفلسطيني ليوازي الطبيب اللبناني من حيث المشاركة في حضور المؤتمرات، ويصبح لديه إعادة تحديث للمعلومات الموجودة لديه كل فيما يتعلق باختصاصه، ومنذ البداية اتخذت إدارة للمستشفى قراراً طبياً، بعدم التعاطي بالسياسة، فنحن جمعية مُحايدة بأمور السياسيين، ويوجد بعض السياسيين يتصلون من أجل مريض، نحن جمعية إنسانية نخدم دون تدخّل من أحد، ولا نقبل أي تدخلات بشأن الإداري، لا من سياسيين ولا من غيرهم، وفي بعض القضايا الإدارية يحاول البعض التدخل بدوام أحد الممرضين، فكان هناك صد لمحاولة التدخل بالشأن الإداري، لا يوجد أي سياسي أو أي جهة تتدخل بالشأن الإداري في المستشفى، إلا الإدارة المركزية التابعين لها في «مستشفى عكا»، التي لها الحق بالمتابعة والمشاهدة والإطلاع.

ويتمنى الدكتور أبو العينين «على الجميع في لبنان، أن ينظروا إلى هذه الجمعية على أنها جمعية إنسانية، والمساهمة بمساعدة الشعب الفلسطيني صحياً، وتستطيع المؤسسات التي تعمل بالشأن الصحي الفلسطيني، المساهمة بتطوير الكادر الطبي، وندعو إلى دعمنا لإرسال هذا الكادر إلى دورات فنية للأطباء وللتمريض والجهاز الإداري، وقد وعدنا خيراً، فنحن لا نسعى فقط للتطوير الحجر داخل المستشفى، وإنما أيضاً للتطوير البشري».