(الحياة اللندنية:17/2)

عادت العلاقات الثنائية بين إيران وحماس، وسادت أجواء إيجابية كبيرة في الفترة الماضية. يعتقد البعض أن ثمّة قطبة مخفيّة لم تحلّ بعد. فزيارة خالد مشعل إلى طهران لم تحصل حتى الآن، ويقال إن الإيرانيين تجاوزوا هذه المسألة. الدعم الإيراني ما زال خجولاً ولم يعد كما كان، ولم يرتق إلى مستوى حاجات الحركة الحقيقية؛ يقال أيضاً إن البيروقراطية الإيرانية والروتين الإداري هما ما يؤخر الدعم وليس سبب آخر.

فبعد حرب غزة بأيام، ووفق مصادر مطلعة، عقد اجتماع سري في تركيا بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني. أبلغ سليماني مشعل ترحيب بلاده بعودة العلاقات الثنائية مع حماس، فمن المعروف أن سليماني هو من التيار الذي يتفهّم موقف الحركة الفلسطينية من الأزمة السورية، ويرى أن خياراتها كانت ضيّقة جداً. الاجتماع ناقش قضايا عدة، منها: الملف السوري، حيث اتفق الطرفان أن لا يتطرق أي منهما إلى هذا الموضوع بعد أي لقاء يجمع الجانبين، وفي حال صدور أي كلام يفهم منه أن حماس مؤيدة للنظام السوري، فإن الحركة ستعيد التذكير بموقفها المبدئي من الأزمة.

ثانياً: زيارة مشعل إلى طهران، حيث اشترط الجانب الحمساوي ضمان لقاء أبي الوليد بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.

ثالثاً: إعادة الدعم المالي والعسكري.

رابعاً: أمل الجانب الإيراني أن تنأى حماس بنفسها ما أمكن عن صراع المحاور في المنطقة، وأن تعلن في شكل واضح وعلني تحالفها مع الجمهورية الإسلامية، وشكرها على ما قدمته للحركة من دعم.

ووضع اللقاء الأسس، فتوجه بعد أسابيع وفد رفيع من حماس برئاسة محمد نصر إلى طهران. توالت تصريحات تؤشر في شكل واضح إلى الانعطاف الذي طرأ على شكل العلاقة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، يتركز حول الأسباب التي دفعت باتجاه تسريع ترميم العلاقة بين الجانبين وعقد هذا اللقاء، ولعل أبرزها:

1- الوضع في غزة: أولاً، بدأت حركة حماس تشعر بانفضاض الحاضنة الشعبية عن المقاومة، بسبب بطء حركة الإعمار، وعدم التزام الدول المانحة بتعهداتها. ثانياً، خشية الحركة أن تستغل بعض الحركات الداعشية الصغيرة التي بدأت تنشط في القطاع مؤخراً هذا الوضع، فتنمو في شكل أكبر، وتستقطب المزيد من الشبان، وتشوه صورة المقاومة. ولا شك أن هذه الظاهرة تثير قلق الإيرانيين، لأن مثل هذه المجموعات ستصبّ عملها على إقناع الفلسطينيين أن العدو الأول الذي يجب التصدّي له هو إيران وليس إسرائيل. ما قد يؤدي إلى صدامات داخلية بين الحركات الداعشية والحركات الفلسطينية التي تدعمها إيران، ويزيد من انتشار الموجة المعادية لطهران.

2- اقتناع إيران أن القوة العسكرية الفلسطينية الضاربة في غزة، والتي تحظى بتأييد جماهيري واسع، هي حركة حماس. وإن كل المحاولات لإيجاد بديل جدّي وقوي لها لم ينجح. كما إن استنكاف إيران عن دعم حماس، لخلاف في شأن الأزمة السورية، يثير تساؤلات حول مصداقيّة طهران في شأن دعمها غير المشروط لحركات المقاومة ضد إسرائيل.

3- القيود التركية القطرية: منذ ثلاثة أشهر، أبلغ الأتراك وفداً من حماس بأن كل ما يتعلق بالتمويل والتخطيط والتسليح والتدريب لا نستطيع تحمله على الأراضي التركية، حتى التصريحات فإن من الأفضل تخفيفها حتى موعد الانتخابات. أما في قطر فالقيود أكثر من ذلك بكثير، على سبيل المثال، تمنى بعض المسؤولين هناك على الأسرى المحررين أن لا يقدموا أنفسهم أمام الناس بأنهم أسرى محررون. في المقابل، فإن إيران تعلن أنها مستعدة بأن تدعم حماس والحركات الفلسطينية المقاومة لإسرائيل بكل شيء.

4- الأسلحة المحلية الصنع: تطورت صناعة الصواريخ لدى كتائب القسام. لكن فاعليّتها ما زالت محدودة جداً، بدليل أنها لم تقتل في الحرب الأخيرة سوى ثلاثة مدنيين إسرائيليين، ولم تحدث أضراراً حقيقية. وللتوضيح فإن صناعة الصواريخ تمر بثلاثة مراحل: الأولى التجارب المخبرية، والثانية الاستخدام في المناورات، وهاتان المرحلتان ضروريتان لمعرفة عيوب الصواريخ، ومدى فاعليتها، ومدى دقتها، وماذا تحتاج لتطويرها. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الاستخدام الفعلي الميداني أثناء المعارك. وبالتأكيد فإن كتائب القسام وغيرها من الفصائل الفلسطينية بحاجة إلى مكان تفحص فيه هذه الأسلحة والصواريخ، وليس هناك من دولة توفّر لهم هذه المساحة سوى إيران أو سورية. ولعل هذا الجانب من الأمور التي دفعت كتائب القسام للدخول على خط التقارب مع إيران وحزب الله، من خلال شكر المتحدث باسمها أبو عبيدة إيران، وإرسال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف برقية تعزية إلى السيد حسن نصر الله. فالجناح العسكري يدرك جيداً أن السلاح الإيراني وحده من يرسم المعادلات مع إسرائيل، وأن السلاح الليبي أو غيره ليس وازناً.

5- إعادة مد الجسور مع حماس، يساهم في إبعاد التهمة الطائفية عن المحور الإيراني، ويضفي مزيداً من الشرعية عليه كونه يدعم الحركات الفلسطينية في وجه إسرائيل، ويخفف من حدة التوتر المذهبي الذي يضرب المنطقة.

لكن شكل العلاقة بين الجانبين تغيّر، فالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قال: «إن عودة العلاقات الثنائية إلى إطارها الطبيعي، لا يعني عودة الحركة الفلسطينية إلى محور المقاومة والممانعة». فحماس لم تعد جزءاً بنيوياً من المحور وليست ملزمة بسياساته، ولا تنسّق معه في القضايا الاستراتيجية الكبرى التي تعني المحور، بل ينسّقان مع بعضهما بعضاً في القضايا المشتركة فقط؛ كما إن الأولوية للقوى التي تنضوي تحت راية المنظومة الإيرانية على سواها. هذه المعادلة الجديدة ربما تقلص الدعم الإيراني على المستويين المالي والعسكري، لكنها قد تكون أكثر فائدة لحماس على الصعيد السياسي، على الأقل في المدى المنظور.