لا يبدو أن المستقبل المرئي يحمل للوجود الفلسطيني في سوريا حلاً لأزمته. ولا يستبعد كثيرون أن تتحول هذه الأزمة، الخاصة بمخيمات اللاجئين، جزءاً لا يتجزأ من الأزمة السورية نفسها، لا يمكن الوصول إلى حل لها إلا عبر البوابة السورية.
إن أزمة الوجود الفلسطيني في سوريا، تجاوزت في تداعياتها، مسألة التهجير الذي تعرض له الفلسطينيون من عدد من المخيمات في شمال البلاد (كحندارات) وجنوبها (كدرعا) وفي قلب العاصمة دمشق (كاليرموك وسبينه وغيرهما)، بل تعدت ذلك نحو المس بالنسيج الاجتماعي لهذا الوجود، وإعادة صوغه وفقاً لآليات ترسم نفسها بنفسها تحت تأثير حالة التشرد الذي بات يعيشه أكثر من 300 ألف لاجئ فلسطيني، اضطروا لمغادرة منازلهم، ومصادر رزقهم، والبحث عن ملاذ بديل.
ولم تقتصر الهجرة الفلسطينية من سوريا الى لبنان، بل بدأت تشق طريقها نحو البلاد الاسكندنافية، وألمانيا، بحثاً عن مأوى بديل، بعدما كانت سوريا هي المأوى الأفضل للاجئ الفلسطيني، بفضل ما كان يتمتع به من امتيازات ويتلقاه من خدمات، مقارنة بالحالة الفلسطينية في لبنان.
ويبدو أن موجة الهجرة الأولى إلى أوروبا، التي شقت طريقها عبر مواكب الموت، عام 2013، بدأت تستقر في أماكنها الجديدة، وتوفر عنصر استقطاب لموجات جديدة، مستفيدة من قوانين جمع الشمل التي تسمح لعائلات بأكملها أن ترحل عن سوريا، ولعل أكثر فئات حماسة للهجرة هي فئات النخبة من رجال أعمال وأطباء، ومهندسين، ومحامين، وكتاب، وصحفيين وغيرهم، ما يضعف النسيج الاجتماعي الفلسطيني في سوريا ويشوهه، ويعكس نفسه سلباً على حيويته السياسية والمجتمعية داخل المجتمع السوري، وفي العلاقة مع القضية الفلسطينية.
يعزز مثل هذا الواقع، فشل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في تحمل مسؤولياتها نحو الوجود الفلسطيني في سوريا، وفشل القيادات المحلية الفلسطينية في توفير حل لقضايا المخيمات، بمعزل عن قضايا المحيط، فاقتصر دورها على معالجة بعض القضايا الجزئية واليومية ذات الأثر المحدود.
وحدها وكالة الغوث، كما يبدو، وفرت القسم الأكبر من الإغاثة للاجئين الفلسطينيين النازحين عن منازلهم في المخيمات المهجرة، ضمن سقف مالي لم ينجح هو الآخر، في تأمين الاستقرار البديل للاجئين.
يمكن، كخلاصة، القول، إن الوجود الفلسطيني في سوريا، يعيش حالة تحول سياسي واجتماعي واقتصادي، ستكون لها آثارها الواضحة على الجسم الفلسطيني الذي يتعرض لتشوهات بنيوية غير بسيطة، لا يمكن سبر غورها ومعرفة مدى عمقها إلا في نهاية مرحلة نستطيع القول فيها إن حركة الهجرة إلى الخارج قد بدأت تخف وإن بعض عناصر الاستقرار قد بدأت تلوح في الأفق. ولعل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا سوف ينتظرون سنوات غير قليلة حتى يدخلوا في هذه المرحلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها