أعرب الرئيس محمود عباس في لقاء مع جريدة 'اللـواء»'اللبنانية عن ثقته التامة بموافقة دول العالم الحرّة على طلبنا في الأمم المتحدة وتصويتهامعنا للدولة الفلسطينية، اليوم الخميس.

وقال الرئيس خلال لقاء مع الجريدة نشر أمس، إنه مرتاحللأداء الفلسطيني في لبنان والدور الفعّال بتجنب الغوص في التجاذبات اللبنانية. 

كما رفض سيادته عروض المقايضة من مسؤولين دوليين عشيةالإستحقاق، ومنها التعهد بعدم الدخول إلى 'محكمة الجنايات الدولية' مقابل التصويت لصالحفلسطين، مشيرا إلى أن طرح طلب فلسطين دولة وسط خيارات متعددة من التهديدات والمناوراتهو انتصار سياسي دبلوماسي بعد النصر الميداني. 

وفيما يلي نص اللقاء: 

كتب هيثم زعيتر: 

قبل ساعات من اللحظة التاريخية من عمر القضية الفلسطينية،لإلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة هامة في «الأمم المتحدة» مع طلب فلسطين للتصويتعلى قبولها دولةً – بصفة مراقب - غير كاملة العضوية في «الأمم المتحدة»، الخميس 29تشرين الثاني الجاري، يحبس الفلسطينيون والعالم الأنفاس، ليس فقط لما ستؤول إليه نتيجةالتصويت، بل لما سيعقب ذلك من تطورات بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. 

هذه اللحظة انتظرها الفلسطينيون وقدّموا من أجلها العرقوالدماء، وقوافل من الشهداء والمقعدين والأسرى والمبعدين والمشتتين في أصقاع المعمورة،حتى يدخلوا التاريخ من بابه الواسع، ويسجلوا انتصاراً سياسياً ودبلوماسياً..

 

ودلالات هذه اللحظة أنها: 

-تأتي للاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية على حدود الرابعمن حزيران 1967، وبالتالي فإنها تُصبح أراضي دولة محتلة من دولة أخرى، وليس أراضٍ متنازععليها، كما يدّعي الاحتلال الإسرائيلي، ويعني ذلك أن الدولة الفلسطينية في اليوم التاليلن يكون واقعها كما ما قبل التصويت. 

-يتزامن موعد التصويت مع «يوم التضامن العالمي مع الشعبالفلسطيني»، الذي أقرّته الجمعية العامة لـ «الأمم المتحدة» في العام 1977، بعدما كانهذا اليوم يوماً يُؤرّخ تاريخ تقسيم فلسطين بموجب القرار 181 الصادر عن «الأمم المتحدة»بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947. 

وعلى الرغم من التهديدات التي يتعرّض لها الرئيس «أبومازن»، ويصل بعضها إلى حد التهديد الشخصي لحياته، فإنه مُصر على المضي قدماً بطلب التصويتفي «الأمم المتحدة» من أجل إقرار حقٍ لآخر شعبٍ ما يزال يرزح تحت الاحتلال وأبناؤهمشتتون. 

«اللـواء»عاشت اللحظات التي سبقت سفر الرئيس «أبو مازن» إلى «الأمم المتحدة» أمس (الثلاثاء)،وذلك في مقر إقامته في العاصمة الأردنية، عمان، حيث كان مُنكباً على وضع اللمسات الأخيرةعلى الكلمة، التي سيلقيها من على أعلى منبر دولي، لتكون الثالثة في غضون عامٍ وشهرين،وهو ضمّنها مجموعة من النقاط التي تعرض لواقع اللجوء الفلسطيني، وممارسات سلطات الاحتلالالإسرائيلي على شتى الصعد والمجالات، ورفض المسؤولين الإسرائيليين تنفيذ المواثيق والمعاهداتوالاتفاقات، والضرب بعرض الحائط بها، وغياب الشريك الإسرائيلي للسير قدماً بالمفاوضات،التي أعلن الرئيس الفلسطيني إنه على «استعداد لاستئنافها بعد الاعتراف الأممي بالدولةالفلسطينية، لأن ذلك يعني الكثير».. 

ليل طويل أمضاه الرئيس عباس امتد حتى صباح أمس، في وضعاللمسات الأخيرة على كلمته التي سيلقيها في «الأمم المتحدة»، وعلى الرغم من ذلك فقدبدأ صباحه أمس باكراً. 

تلك لحظات مفصلية، جمعت في الصالون الرئيسي لدارة الرئيس«أبو مازن» في عمان: عضوا اللجنة التنفيذية لـ «منظمة التحرير الفلسطينية» ياسر عبدربه والدكتور صائب عريقات، عضوا اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد ونبيل أبوردينة، سفير فلسطين لدى المملكة الأردنية الهاشمية عطا الله خيري، مستشاري الرئيس«أبو مازن» «أبو نبيل» أبو الرب وأكرم هنية، مدير «الصندوق القومي الفلسطيني» الدكتوررمزي خوري، عضو «المجلس التشريعي الفلسطيني» والمكتب السياسي لـ «الجبهة الديمقراطيةلتحرير فلسطين» قيس عبد الكريم، مسؤول المراسم في الرئاسة الفلسطينية حسين حسين وكاتبهذه السطور. 

يواصل الرئيس «أبو مازن» متابعة كافة التطورات والاتصالاتالتي أجراها شخصياً أو عبر إيفاده كبار القيادات الفلسطينية إلى دول العالم، لحثهاعلى طلب التصويت لصالح عضوية الدولة الفلسطينية في «الأمم المتحدة»، بعدما تحركت الإدارةالأميركية و«اللوبي الصهيوني»، في محاولة للضغط على الدول لعدم التصويت لصالح فلسطين،أو عدم حضور جلسة الجمعية العمومية لـ «الأمم المتحدة» المخصصة للتصويت على الطلب الفلسطيني.

 

سيل من الاتصالات 

تنهال الاتصالات من كل حدب وصوب، طالبة التحدث مع «شاغلالعالم»، بعضها مؤيداً، وآخر ناصحاً بالتأجيل، وثالثاً حاثاً على التعديل في الطلب،وغيرهم كثر، كل له وجهته ونظرته ورأيه.. 

تكر سبحة المتصلين، وزراء خارجية: فرنسا، بريطانيا،ألمانيا، وآخرون ومسؤولون على عدة مستويات، ويتمنون بعد أن ووجهوا باصراراً من الرئيس«أبو مازن» بالتوجه إلى «الأمم المتحدة» أن يتم التعديل بالطلب، بإلغاء موضوع الدخولإلى «محكمة الجنايات الدولية» التي تُرعب المسؤولين الإسرائيليين، لأن ذلك يعني أنكل إسرائيلي ارتكب جرائم ضد الفلسطينيين، بإمكان الفلسطينيين ملاحقته في أي دولة فيالعالم منضمة إلى المحكمة، التي تنضم إليها غالبية الدول الأعضاء في «الأمم المتحدة»،باستثناء الولايات المتحدة الأميركية. 

وقد مر مسؤولون إسرائيليون في مأزق مثل هذه الدعاوىالتي رفعت في «محكمة الجنايات الدولية» ضد جرائم ارتكبوها، ورحلت تسيفي ليفني قبل وصولالشرطة البريطانية إلى المطار لتوقيفها، وحذر أكثر من مسؤول إسرائيلي من السفر للخارج. 

ولكن الرئيس «أبو مازن» كان جوابه بالإصرار على تقديمطلب عضوية فلسطين كاملاً، وأن لا يحصل أي تغيير بشأنه، لأنه ستكر سبحة المطالب، ولهذاحسم الجدل في ذلك. 

أتوجه بسؤال إلى الرئيس عن مستندات دعمه، فيجيب بكلامالواثق: «شعبي، وحقه بقيام دولته الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران1967، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق الاستقلال الكامل الناجز، وكلي ثقة أن دول العالم الحرةستوافق على طلبنا وستصوّت معنا للدولة الفلسطينية». 

تشعر في تلك اللحظة، أن القلق ليس موجوداً في قاموسالرئيس «أبو مازن»، وتكتشف مدى احتفاظه بكامل رباطة جأشه، والاطمئنان إلى سلامة قرارهفي أن هذا الشعب الأبيّ، الذي يُناضل بكل أشكال النضال، أطفالاً ونساءً وشيوخاً وشباباً،وفيه الشهادة أقل معطيات العطاء، أن شعب فلسطين يستحق أقل المعطيات، وحتى لو كلفت الشهادةفي سبيل استرجاع الأرض والوطن والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

 

مرتكزات الكلمة 

يركز الرئيس الفلسطيني في كلمته، كما يقول المطلعون،على حقوق الشعب الفلسطيني، وذَكر فيها بالأعداد الكبيرة من القرارات المناهضة للاحتلالالإسرائيلي الصادرة عن الجمعية العامة لـ «لأمم المتحدة»، وكذلك ما هو صادر عن «مجلسالأمن الدولي» وفي المقدمة من ذلك القرارات 181 و194 و242، فضلاً عما جاء في «اتفاقأوسلو» في العام 1993، واستناداً إلى القرار 181 الصادر عن «الأمم المتحدة» في مثلهذا اليوم من العام 1947، فإنه يدعو إلى إقامة الدولتين، ويُشير إلى أن القدس الشرقيةهي عاصمة دولة فلسطين التي احتلت في العام 1967. 

ويتطلع الرئيس «أبو مازن» إلى «دول العالم أجمع، منأجل إنصاف الشعب الفلسطيني لإزالة الاحتلال عن كاهل آخر دولة في العالم أرضها ما زالتمحتلة»، وهو الذي يؤمن بتحقيق السلام المتكافئ المستند إلى قرارات الشرعية الدولية،وليس السلام الذي يتحدث عنه المحتل الإسرائيلي ويواصل قادته تهديد الفلسطينيين بالقتل،بل بممارسة الاعتداءات لإيقاع الشهداء والجرحى، وتجريف الحقول والممتلكات، وقضم الأراضي،وهدم البيوت، والزج بآلاف الشباب والنساء أسرى في سجون الاحتلال، أو إبعاد الفلسطينيين،وتقطيع أوصال الوطن. 

ويعتبر الرئيس الفلسطيني «أن اللاجئين الفلسطينيين،هم ضيوف في أماكن انتشارهم، وأن حق العودة، فردي وجماعي ومقدس وفق القرار 194 ولا يُمكنلأحد التفريط به». 

لعل في هذه اللحظات تجول في بال الرئيس الفلسطيني، كماالقيادة الفلسطينية، والعديد من المسؤولين العرب والأجانب، الكثير من الأفكار، ولكنالرئيس «أبو مازن»، شريك الطلقة الأولى وكلمة الفصل بإعلان الكفاح المسلح بتاريخ1/1/1965، مع الرئيس الشهيد ياسر عرفات والشهيد «أبو جهاد الوزير»، وغيرهم... يدرساليوم كل خطوة من خطواته.. والطامح إلى دراسة الهندسة في شبابه يُهندس كل خطوة.. وبحكمهالقانوني المتخصص في القانون الدولي، عمل على ضبط إيقاع الخطوات، بل يزن كل كلمة منكلماته بميزان «الجوهرجي»، لأن الآمال مُعلقة على تلك الجلسة الهامة في «الأمم المتحدة»،التي تكاد تكون مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، لهذا فإن الحمل ثقيل على الرئيسعباس، ولكن من انطلق كمشروع شهادة، لا يأبه للتهديدات الإسرائيلية، أو الضغوط الأميركية،حتى لو كانت تصل إلى حد التصفية الجسدية، طالما أن المصلحة الفلسطينية هي الأساس، وهوما وضعه نصب عينيه. 

الرئيس، المخضرم سياسياً، ابن السبع والسبعين عاماً،ما زال بهمّة الشباب، على الرغم من أن كاهله مُثقل بالهموم والملفات والقضايا، يوزعاهتماماته على أماكن التواجد الفلسطيني، لأنه لا أحد يدري من أين تهب العواصف على أبناءالشعب الفلسطيني.. في الضفة الغربية، حيث مقر الإقامة المؤقت في رام الله، وفي استمرارالحصار الإسرائيلي المُطبق عليها.. أم في القدس الشاهدة على توسيع المستوطنات الإسرائيليةوقضم الأراضي، ومصادرة الأماكن الدينية المقدسة، ومحاولات التهويد، واعتقال المقدسيين،وطرد العديد منهم تحت ذرائع واهية.. أم في غزة هاشم، التي أفشلت العدوان الإسرائيليوحققت المقاومة فيها انتصاراً يُسجل بأحرف ناصعة البياض، على الرغم من أن إعادة اعمارأضرار العدوان الإسرائيلي السابق في العام 2008 لم يتم بعد.. أم في أماكن التواجد الفلسطيني،حيث يدفع الفلسطيني الضريبة، في سوريا، في الصراع بين الحكم والمعارضة.. أم في أماكنالانتشار الفلسطيني، بعدما ذاق الفلسطيني الويلات في العراق وليبيا وتونس، بعد نتائج«الربيع العربي». 

وحده التواجد الفلسطيني في لبنان، الذي كان دائماً في«بوز المدفع»، يكاد يكون مريحاً ويطمئن الرئيس، وخير دليل على ذلك، أن الفلسطيني لميعد له لا مشروع أمني أو عسكري أو سياسي في لبنان، بل لم يعد عامل توتير وإرهاق، حيثكان للفلسطينيين دور فعّال في تجنيب المخيمات الغوص في التجاذبات اللبنانية، بل أكثرمن ذلك، اضطلعوا بدور فعال وهام في سحب فتائل تفجير العديد من القضايا والملفات اللبنانية– اللبنانية، آملاً من «المسؤولين اللبنانيين، تنفيذ ما تعهدوا به من اقرار حقوق العملوالتملك والحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فهم ضيوف مؤقتونإلى حين العودة».

 

متى تحط الطائرة على أرض دولة فلسطين؟ 

يؤدي الرئيس «أبو مازن» صلاة الظهر، ويودع من بقي منالحاضرين، وينطلق ليستقل «طائرة فلسطين»، التي طاف بها أرجاء المعمورة، شاكراً أو مقنعاًأو حاثاً على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومساندة فلسطين في «الأمم المتحدة»، وهويتوق لأن تهبط به الطائرة في أرض الدولة الفلسطينية، ثمرة لجهود بُذلت من أجل اعترافالعالم بالدولة الفلسطينية، وتوزعت محطاتها بين رام الله وعمان وأرجاء المعمورة. ويُكادالرئيس «أبو مازن» يُمضي الكثير من وقته طائراً في سرٍ مضنٍ، من أجل تحقيق الاعترافبدولة فلسطين، ووفقاً لإحصاءات رسمية، فقد تفوّق في سفره على كل رؤساء العالم، انطلاقامن أن نجاح الدبلوماسية الفلسطينية، هو انتصار سياسي على الاحتلال الإسرائيلي، الذيامتاز دائماً بمعرفة اقتناص الفرص والضغط عبر «اللوبي الصهيوني» بالحصول على مصالحالكيان الإسرائيلي، أو تجميد القرارات التي تُصدر، مُدينة احتلاله وعدوانه، إن لم يتمكنمن القضاء عليها في مهدها عبر سحبها، أو استخدام حق النقض الـ «فيتو» الأميركي الجاهزدائماً للدفاع عن المحتل الإسرائيلي، والذي فاق استخدامه 80 مرة لصالح قرارات تدينالمحتل الإسرائيلي. 

وهذا الـ «فيتو» الأميركي الجاهز لصالح الكيان الإسرائيلي،رفض الرئيس «أبو مازن» تنفيذه فلسطينياً، حيث قال أكثر من مرة لا للـ «فيتو» أو الضغوطاتالأميركية، بل نفذ قناعته، ومن الشواهد: 

-عندما فازت حركة «حماس» بالانتخابات التشريعية في العام2006. 

-في التوقيع على ورقة «المصالحة الفلسطينية» في القاهرةعندما أوفد عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد ووقّع عليها في تشرين الأول2009. 

-في التوقيع على ورقة «المصالحة الفلسطينية» الشاملةفي القاهرة في أيار 2011. 

-في رفض العودة لاستئناف المفاوضات مع «إسرائيل» دونتجميد الاستيطان. 

-بالتوجه إلى «الأمم المتحدة» في أيلول 2011 وتقدم بطلبالعضوية الكاملة لدولة فلسطين عبر «مجلس الأمن الدولي». 

-في أيلول 2012 عندما تقدم بطلب عضوية فلسطين - دولةغير كاملة العضوية في «الأمم المتحدة». 

-اليوم عندما يتوجه مجدداً لطلب التصويت على عضوية فلسطينفي «الأمم المتحدة».  

وفي المقابل، يأمل الرئيس عباس «أن ينفذ الرئيس الأميركيباراك أوباما وعوده، التي طرحها خلال خطابه الذي ألقاه في القاهرة في أيار 2009، وتحدثفيه عن رؤيته لحل الدولتين ووقف الإستيطان»، متمنيا «أن يقف الرئيس الأميركي في ولايتهالثانية إلى جانب تحقيق السلام»، مبدياً «استعداد الجانب الفلسطيني العودة إلى طاولةالمفاوضات فور الحصول على عضوية دولة بصفة مراقب في الجمعية العامة لـ «الأمم المتحدة»لتشجيع السلام في منطقة الشرق الأوسط قبل فوات الأوان، لأن هذه قد تكون الفرصة الأخيرةلتحقيق السلام والاستقرار، وعلى الجميع أن يعمل من أجل تحقيقه». 

ومن أجل تحصين الواقع الفلسطيني، يؤكد الرئيس عباس«أن المصالحة الفلسطينية هي ضرورية وأساس، وأن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» همامن مكونات الشعب الفلسطيني، كما باقي الفصائل، لهذا يجب أن تكونا ضمن «منظمة التحريرالفلسطينية» الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والعمل على تنفيذ تطوير وتفعيلدور المنظمة، تنفيذًاً لما جرى في القاهرة، وضروري العمل على استئناف الاجتماعات لتنفيذآليات هذا التفعيل والتطوير، وذلك بإنهاء ما تبقى من أسباب تحول دون تنفيذ ما أُتفقعليه في المصالحة الفلسطينية وإعلان القاهرة والدوحة مع حركة حماس».

 

اطمئنان إلى سلامة القرار 

إنها اللحظات التاريخية القاسية، بل أقساها على الإطلاقالتي يواجهها إنسان في حياته، حيث الخيارات دقيقة وحساسة، بل أنها معدومة تماماً أمامالخيار الوحيد الواحد، الذي لا يُمكن أن يكون هناك غيره أو بديلاً عنه أو له، إزاءالمسؤولية الأهم والمهمة في القضية التي إلتزمها قلباً وقالباً بالوفاء لتراب وطنه،ولحب شعبه، بكونه مواطناً إبن أرض سليبة، وبكونه رفيق النضال الطويل لرمز القضية الشهيد«أبو عمار» ورفاق الدرب الآخرين، الذين استشهد منهم من استشهد على الدرب، وبكونه المسؤولالأول الذي حمل شرف المسؤولية في الدفاع، بل استرجاع الحق السليب إلى أهله وأصحابه،حتى ولو كان بالثمن الأغلى في الحياة، وهو على قناعة وثقة بأنه ليس أغلى من دم أي شهيدصغيراً كان أم كبيراً، ومسؤولاً أو مواطناً عادياً، والشهادة هنا وفي هذا السبيل أرخصمن أي ثمن على الإطلاق. 

هي «الأمم المتحدة» الموعد فيها قريبٌ وقريب جداً، فيمشهد يتكرر يوم وقف الرئيس الراحل ياسر عرفات من على منبر «الأمم المتحدة» في العام1974 حاملاً غصن الزيتون الأخضر بيد والبندقية بيد أخرى، داعياً إلى عدم إسقاط غصنالزيتون.. وها هو رفيق الدرب المؤتمن على الثوابت الرئيس «أبو مازن» يُكرر الموقف ذاته،ويؤكد «التمسك بالسلام، الذي يضمن الحق والأمن والأمان للشعب الفلسطيني». 

غداً عندما يقف الرئيس «أبو مازن» مستنداً إلى الحقالشرعي للشعب الفلسطيني بأن يكون له دولة، وعندما يُصفق له قادة العالم مُعترفاً بالدولةالفلسطينية، لنتخيّل مشاهد الفرحة العارمة على الوجوه الفلسطينية، في مقابل خيبة أملووجوم على وجوه المسؤولين الإسرائيليين، الذين سيجرون ذيول الخيبة، خصوصاً أن هذا الحقالفلسطيني بالاعتراف بالدولة، جاء بدعم من الأسرة الدولية، دون انتظار التفاوض مع الاحتلالالإسرائيلي أو نزولاً عند رغباته ومساعي ابتزازه. 

ويعترف بالدولة الفلسطينية حالياً 133 دولة، حيث يتوقعالفلسطينيون أن يصوّت لصالح دخول الدولة الفلسطينية عضوية «الأمم المتحدة» أكثر من130 دولة من أصل 193 دولة، علماً أن التصويت في «الأمم المتحدة» يحتاج إلى الأغلبية- نصف زائد واحد – من الحضور، وهو عدد مضمون بالنسبة للفلسطينيين، كما أن التصويت فيالجمعية العامة لـ «لأمم المتحدة» لا يخضع لاستخدام حق النقض الـ «فيتو» من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية، بل يصبح ساري المفعول، وذلك لا يعني أن طلب تقديم عضوية دولة فلسطينإلى «مجلس الأمن الدولي» التي تقدمت به فلسطيني في أيلول من العام الماضي، يُصبح لاغياً،بل يُمكن استخدامه وإعادة تحريك الملف وعرضه على التصويت في أي وقتٍ تجد فيه القيادةالفلسطينية أن الأصوات الـ 9 من بين 15 عضواً في «مجلس الأمن الدولي» يُمكن تأمينها،وهو ما حصل مع دولٍ عديدة، ومنها: اليابان والأردن. 

في هذا الوقت، ما زال الفلسطينيون يشعرون بألم لأن الإدارةالأميركية تواصل دعمها الواضح إلى المسؤولين الإسرائيليين، والذي وصل ذروته من خلالأضخم موازنة دعم مالي وعسكري في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية لـ «إسرائيل» واعتمادتسمية «دولة إسرائيل اليهودية»، وعلى الرغم من وقوف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنياميننتنياهو ضد الرئيس أوباما في معركة الرئاسة، إلا أن الأخير يبدو أنه حتى الآن لن يزعجالإسرائيلي. 

وكذلك بالتهديد الأميركي بإقفال مكتب ممثلية «منظمةالتحرير الفلسطينية» في واشنطن، وليس فقط وقف المساعدات إلى «السلطة الوطنية الفلسطينية»،بل أيضاً إلى «الأمم المتحدة»، ومنها «الأونروا» التي تُعتبر أميركا الداعم الفرديالأكبر لها، وذلك على غرار ما جرى من تصرف أميركي رداً على قبول فلسطين في عضوية منظمة«اليونسكو» بتاريخ 31 تشرين الأول 2011، فاتخذت الولايات المتحدة قراراً بوقف دفع التزاماتهاإلى «اليونسكو». 

ولكن الفلسطيني الذي عانى ظروفاً صعبة في العديد منالمراحل، فإنه إذا خيّر بين دفع المساعدات وكرامته، فإنه يختار كرامته وحريته، حتىلو عانت «السلطة الوطنية الفلسطينية» ظروفاً اقتصادية صعبة، ولم تتمكن من تأمين700 مليون دولار أميركي هي بحاجة إليها شهرياً من مساعدات، لتسديد النفقات، بُدفع نصفهاعلى رواتب ومخصصات حوالى 197 ألف موظف.

 

إنتصار فلسطيني وتخبط إسرائيلي 

والنتائج المتوقعة للانتصار السياسي الدبلوماسي الفلسطيني،تتزامن أيضاً مع انتصار ميداني حققته المقاومة والشعب في غزة، بوحدةٍ فلسطينية تجلّتبأبهى صورها في مواجهة العدوان الإسرائيلي وإفشال أهدافه، ولهذا فإن الفصائل الفلسطينيةبادرت سريعاً إلى الإعلان عن تأييد الرئيس «أبو مازن» في توجهه إلى «الأمم المتحدة»على اعتبار أن تحقيق أي مكسب، هو مكسب لكل الفلسطينيين. 

في المقابل، فإن المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة تخبط،كانت أولى ثمارها استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وتنحيه عن الحياة السياسية،وهذا يدل على أن ثمار الانتصار الفلسطيني في غزة، سترخي بظلالها على مسؤولي الكيانالإسرائيلي، بعدما ثبت أن المجتمع الفلسطيني واحد ويتوحد في الملمات، وتمكن من توجيهوإيصال صواريخٍ وصلت إلى أماكن جديدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل «إسرائيل»،وهو ما يستوجب الإسراع بانجاز تحقيق الوحدة الداخلية الفلسطينية، مدعومة بحلف عربيودعم دولي لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، حيث بدأنا نلمس خطاباً جديداً من بعض الأطرافالفلسطينية الشريكة في المصالحة، عبر دعم القيادة الفلسطينية بتوجهها، كثمرة لتوحدللانتصار الفلسطيني الدبلوماسي والميداني، لأن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمانهدد الرئيس عباس إذا ما أصر على التوجه إلى «الأمم المتحدة»، وبحل السلطة الفلسطينية»،والمسؤولون الإسرائيليون يعتبرون «الخطوة الفلسطينية في «الأمم المتحدة» تُشكل هجوماًأشد وأخطر من الهجمات الصاروخية التي انطلقت من قطاع غزة». 

وتبدي «إسرائيل» اهتماماً في أن تُدخل إلى القرار الفلسطينيبنوداً تقول صراحة أو بشكل مبطن أن الفلسطينيين لن يطلبوا قبوله كأعضاء في «محكمة الجناياتالدولية» في لاهاي لحث إجراءات قضائية ضد جهات إسرائيلية، وكبديل كانت «إسرائيل» ترغبفي أن ترى في القرار بنداً يشدد على أن هذا قرار رمزي فقط، وليس فيه ما يعطي سيادةللفلسطينيين على الضفة الغربية، قطاع غزة وشرقي القدس. 

كما أن «إسرائيل» معنية بأن يتضمن القرار التزاما فلسطينياًباستئناف المفاوضات المباشرة مع «إسرائيل» دون شروط مسبقة. 

لقد بات ثابتاً ومؤكداً أن لا سلام في الشرق الأوسطبدون إقرار الحقوق الفلسطينية، وأن فلسطين هي مفتاح السلام أو الحرب في المنطقة بأسرها.