فاطمة إبراهيم
لم تعط فقرة التمرين الرياضي التي يقدمها الأستاذ جواد للطلاب في الطابور الصباحي بمدرسة فرحات حشاد الثانوية للبنين، كما لم يتواجد على كرسيه، في حفل التأبين الذي أقامه زملاؤه، بعد أن قتله قناص إسرائيلي الخميس الماضي ومنع استمرار تفاصيل حياته.
في اليوم الأول للفصل الدراسي في المدرسة، غاب الأستاذ جواد بواقنة عن بوابة المدرسة صباحاً، لاستقبال الطلبة الداخلين للساحة لأول مرة منذ سبع سنوات.
ويعمل بواقنة مدرسا للتربية الرياضية في مدرسة الشهيد فرحات في مخيم جنين منذ 7 سنوات، ومنذ العام 2007 وحتى تاريخ استشهاده فقدت مدرسة حشاد 22 شهيدا من طلابها وطاقم تدريسها.
وسط ساحة مخيم جنين وضعت صور الشهيد بواقنة، وأمام منزلة القريب من عيادة وكالة غوث اللاجئين رصت أصص الورد حول عتبة الدرج التي أصيب عندها حين استهدفه قناص إسرائيلي كان يعتلي العمارة المقابلة لمنزلة.
مدير المدرسة رأفت ستيتي، قال: "هذا يوم عصيب علينا كلنا كزملاء وطلبة، عملنا مع بعضنا في هذه المدرسة لسبع سنوات، كان الأستاذ جواد متعاوناً محباً ودائم الابتسامة، كما أنه رياضي وصوته مسموع في كل أروقة المدرسة، كان صاحب حضور".
"اخترنا أن يفتتح الفصل الدراسي الثاني بتكريم الزميل بواقنة، أقمنا حفل تأبين له بمشاركة أبنائه وزملائه وطلبة المدرسة وبحضور مديرية تربية جنين، لقد كان خبر استشهاده موجعا ومفجعا جدا، هذا من أصعب الأيام علينا جميعا في المدرسة". يضيف ستيتي.
وفي بيت الشهيد تجمع عدد من النسوة لمواساة زوجته وبناته الأربع، وقالت جارة العائلة" كان دائماً بضحك الله يرحمه"، فيما دار حديث بين النسوة عن صفات الشهيد جلست ابنته الكبرى آلاء بواقنة على المقعد المقابل وسردت تفاصيل ليلة استشهاده قائلة: "دخل الجيش بحدود الساعة الثانية والنصف بعد منتصف ليل الأربعاء-الخميس الماضي، على صوت صفارات الإنذار من جوامع المخيم ونزل عدد كبير من الشباب إلى الساحة بالقرب من منزلنا للتصدي للاقتحام، بعدها بدقائق كان صوت الرصاص يزداد، بدأت ترد إلينا الأخبار من مواقع التواصل، كنت ووالدي ننتقل من نافذة إلى أخرى في المنزل لنرى ما يحدث، وبالطبع استيقظ بقية أفراد العائلة وانضموا الينا".
توزع شقيقات آلاء القهوة والتمر على المعزيات، فيما يدخل شقيقها الأكبر فريد حاملاً صوراً لوالدة طبعت مؤخراً. تتفقدها آلاء وتكمل "بحدود الثالثة والنصف سمعنا صراخا لمجموعة من الشبان تحت شباك منزلنا كانوا يطلبون منا أن نساعد شابا أصيب بالقرب من المنزل ولا يستطيعون الوصول اليه من شدة الرصاص، نزلت إلى باب المنزل وحاولت سحب الشاب المصاب بعد ثوانٍ لحقني والدي أمسكناه من يده اليسرى وحاولنا سحبه إلى داخل المنزل فجأة سمعت أخي فريد يصرخ آلاء أبوي تصاوب أبوي استشهد، وحين التفت اليه، كان مرمياً على الأرض".
وتضيف آلاء "صدقيني لا أعرف كيف حدث كل هذا، وكم من الوقت استغرق كل ما اعرفه إنا حملنا أبي إلى السيارة لان سيارات الإسعاف لم تستطع الوصول إلى المخيم، وقدت السيارة باتجاه المستشفى دون ادراك وأني كنت أتحدث مع والدي طوال الطريق وأطلب منه أن يكون قويا وأن يصمد".
"حين وصلنا المستشفى كنت أراقب الأجهزة الطبية، وكانت تشير إلى توقف القيم الحيوية لوالدي كنت اصرخ للطاقم الطبي ارجوكم انعشوه، لا تتركوه يموت، حاولوا انعاشه لأكثر من مرة لكن بدون فائدة،" تقول آلاء.
تستذكر زوجة بواقنة آخر ليلة قضاها معهم، تقول أنه خرج قبل صلاة المغرب كعادته مرتديا بدلته الرياضية ليمارس عادته بالركض وحين عاد بعد صلاة العشاء قال لهم أنه يعدوا الطعام، اشترى كمية كبيرة من الفراولة، وأكل منها طوال الليل كان يأكل الفراولة ويقول لنا هذه أشهى فراولة آكلها طوال حياتي".
وتقول جارة الشهيد "جواد بواقنة كان معروفا من كل سكان المخيم، صاحب ابتسامة عريضة، صريح ومحب للحق ولا يخاصم أحدا".
وتقول ابنته آلاء " نحن معروفين بالبنات المدللات في المخيم، كان والدي انسان معتز بنفسه، ومعتز بتربيتنا، كان يقول لنا أنا أمنتكم في حياتكم ودراستكم، أنا درست التخصص ذاته الذي درسه والدي لأني أريد أن أكون مثله، الأستاذ جواد بواقنة المبتسم، نعم لقد نجحت في الحفاظ على الصورة الموجودة في اذهان الناس له "المبتسم"، لذلك لم أسمح لاحد أن يصور والدي وهو مغطى بدمه.
لقد رحل وهو المعلم جواد المبتسم." تقول آلاء
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها