يامن نوباني        

 

تأتي الذكرى الـ103 لاعلان بلفور هذا العام، وسط متغيرات هامة تحدث في فلسطين والمنطقة العربية ودوليا، لعل أهمها الانتخابات الأميركية الحالية.

 

"وفا" حاورت عدداً من المحللين، والباحثين والأكاديميين، حول استشرافهم للمرحلة المقبلة، وإلى أين وصل اعلان بلفور بعد 103 عاما.

 

الكاتب والباحث مهند عبد الحميد: هل ينجح ترمب في إحياء بلفور؟

 

يوم 2/11/1917 صدر اعلان بلفور الذي دعا الى " إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، التي كانت تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية.تقول المادة الثانية من صك الانتداب: تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في احوال سياسية وادارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، وجاء في المادة الرابعة: تعترف الدولة المنتدبة بوكالة يهودية تتعاون في انشاء الوطن المذكور، والمادة السادسة تنص على تسهيل هجرة اليهود وحشدهم في الاراضي الأميرية. والأخطر أن صك الانتداب اعترف "بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبالأساليب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد..

 

وجاء "المشروع الصهيوني" والوطن القومي كجزء من تقاسم النفوذ وإعادة بناء السيطرة الاستعمارية في عموم المنطقة، ولكن بلبوس ديني وايديولوجي لتسهيل سلخ اليهود عن شعوبهم وزجهم في المشروع الاستعماري الجديد.ارتبط المشروع الصهيوني بمثيولوجيا الحق التاريخي اليهودي في فلسطين، والتي تحولت الى ثقافة سائدة في مجتمع المستوطنين وشكلت الغطاء الايديولوجي لمشروع نهب وهيمنة استعمارية، واصبحت بديلا للقانون والشرعية الدوليين، وافقدت في الوقت نفسه الجزء الاكبر من المجتمع الاسرائيلي توازنه، لجهة انكار حقوق السكان الاصليين والتنكر لحقهم في وطنهم جملة وتفصيلا. والتعامل مع خيار وحيد اوحد هو هزيمة فلسطين وانتصار اسرائيل.

 

ايديولوجيا "حق اليهود التاريخي المزعوم في فلسطين، المعتمدة من قيادة الحركة الصهيونية – العلمانية في معظمها-، كان وظيفتها اقصاء سكان البلاد الاصليين (الشعب الفلسطيني) والحلول مكانهم. ولم يكن من باب الصدفة انكار وعد بلفور وصك الانتداب لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والذي كان اكثرية ساحقة – اكثر من 95% من اجمالي السكان في فلسطين ، واقتصار ذلك على حقوق مدنية ودينية للطوائف غير اليهودية. مفارقة التعامل مع شعب كامل كأقلية ضئيلة بحقوق دينية، مقابل الاعتراف بحقوق سياسية وتقرير مصير ل 5% من المستوطنين المقحمين على المكان بحماية استعمارية، مفارقة طغيان مصالح اقلية ضئيلة على مصالح اكثرية ساحقة لا يفسرها غير غطرسة القوة الاستعمارية.

 

انكار حقوق شعب بأكمله لم يستقم طويلا في مشاريع الاستعمار البريطاني، فقد بدأت مقاومة الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني الاقصائي تأتي أكلها.

 

جاء التغيير في الموقف البريطاني عبر الكتاب الابيض الصادر عن الحكومة البريطانية في العام 1939 الذي نص على أن "حكومة جلالته تعتقد أن واضعي الانتداب الذي تجسد فيه وعد بلفور لم يقصدوا وجوب تحويل فلسطين إلى دولة يهودية رغماً عن إرادة السكان العرب في البلاد". ومن ثم أعلنت الحكومة أنه “من المؤكد أن وجوب تحويل فلسطين إلى دولة يهودية لم يكن جزءًا من سياستها. وقد اعتبروا ذلك بالفعل تعارضاً مع التزاماتهم تجاه العرب تحت الانتداب، وورد في الكتاب أن فلسطين ستحصل على استقلالها حوالي عام 1949، وستتضمن "وطناً يهودياً".

 

تضمن الكتاب تقييدا للهجرة اليهودية، وقيودا على ملكية اليهود للاراضي.ثم جاء قرار التقسيم 181 في العام 1947 عشية الانسحاب البريطاني من فلسطين. ينص القرار على أن : تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية على مساحة 45% من مساحة فلسطين التاريخية، والدولة اليهودية على مساحة 55% من مساحة فلسطين، وتدول مدينة القدس".

 

تغير الموقف الدولي من زاوية الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حق اللاجئين في العودة الى وطنهم بحسب قرار 194، مقارنة بوعد بلفور وصك الانتداب. واصبح الاقرار الدولي اكثر انسجاما في زمن الثورة ومنظمة التحرير.

 

وصدرت مئات القرارات التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي التحرر من الاحتلال واقامة دولته المستقلة على الاراضي المحتلة في العام 67، وكان الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب باكثرية 141 دولة وقبول عضويتها في عشرات المنظمات والاتفاقات والمعاهدات هو بمثابة تطور مهم.  

 

لم تغير الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل ولم تبدل موقفها من الشعب الفلسطيني وبقيت متمسكة بحق اليهود التاريخي في كل فلسطين، اعترفت اسرائيل بقرار التقسيم شكلا، في الوقت الذي احتلت فيه الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية ومارست التطهير العرقي. وابرمت اتفاق اوسلو مع منظمة التحرير، لكن حكومة نتنياهو ومعسكره اليميني قوضت مقومات الدولة الفلسطينية بالاستيطان وسرقة الاراضي، وبناء جدار الفصل والضم العنصري، وبالسيطرة المحكمة على الموارد (الأرض والمياه والاقتصاد والحدود الداخلية والخارجية).

 

اذا راجعنا منظومة القوانين الاسرائيلية وبخاصة قانون القومية، ومناهج التعليم الاسرائيلية، والسياسات الاستراتيجية (مخططات هيكلية وطرق وتنمية) لن نجد حيزا لحل سياسي قائم ومحتمل يقر بحقوق وطنية للشعب الفلسطيني (حق تقرير مصير ودولة ) الحل الذي صاغه فريق كوشنير الاميركي مع نتنياهو هو صفقة القرن التي تثبت الاحتلال وسيادة اسرائيل على كامل فلسطين التاريخية، وتثبت الاستيطان والمستوطنات وتطلق لها العنان، وتضم القدس والاغوار، وتضم مساحة الارض شرق جدار الفصل العنصري، وتشطب حقوق اللاجئين جماعة وافرادا. ولم تقدم الا حكما ذاتيا غير قابل للتطور في ارخبيلات متفرقة من أراضي الضفة الغربية.

 

هذا يعني أن اسرائيل ما تزال تتبنى اعلان بلفور، وان أميركا ترمب تحيي بلفور وتعود ادراجها الى سياسة عصبة الامم المتحدة في تبني ميثة الحق التاريخي لليهود، كيف لا و"صفقة القرن" تستند لتلك الايديولوجيا في بنودها الاساسية، وتستند الى بلفور وصك الانتداب عمليا وفي الجوهر، ووصل بها الافلاس الى حد ذكر عدد المرات التي ورد فيها اسم القدس في التوراة لتبرير ضم المدينة كاملة لدولة الاحتلال.

 

انه التحول الاخطر في السياستين الاسرائيلية والاميركية اللتين استبدلتا القانون الدولي بكل عناصره بما في ذلك قرارات الجمعية العامة ومجلس الامن، استبدلتاه بايديولوجيا دينية متعصبة. أمامنا اقلية دولية ضئيلة تتبنى الموقف العدمي من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. في مقابل اكثرية قصوى تتبنى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لكن هذه الاكثرية للاسف لم تدافع عن القانون الدولي إلا بالاقوال، لم تقرن الاقوال بضغوط وعقوبات كما درجت الأمم المتحدة أو المجموعات الدولية

 

الاقليمية على التعامل مع الدول المارقة. ان استمرار هذه الحالة يشكل اكبر تحدٍ للشعب الفلسطيني والشعوب العربية وكل القوى والشعوب المناهضة للحرب والاحتلال والهيمنة والعنصرية والتوحش السياسي والاقتصادي. في كل الاحوال لن ينجح ترمب في إحياء بلفور سواء فاز في دورة ثانية – لا سمح الله- ام سقط في الانتخابات.

 

المؤرخ والأكاديمي جوني منصور: الفترة عصيبة وعلينا التمسك بحقنا

 

في كل سنة تأتي ذكرى صدور تصريح بلفور لتذكر الفلسطينيين والعرب والعالم أجمع بأبشع جريمة وقعت في التاريخ البشري، وهي منح تصريح لشريحة بشرية غير مثبت أصولها بالقيام بسرقة ونهب فلسطين من سكانها الاصليين على مرأى ومشهد ومسمع الشرعية الدولية. بل اكثر من ذلك شاركت الشرعية الدولية ممثلة بعصبة الامم في حينه ثم لاحقا الامم المتحدة بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب، والانكى من كل ذلك ان حصة اليهود كانت اكثر من حصة العرب، وهم "أي العرب" في فلسطين شكلوا الغالبية السكانية.

 

ذكرى بلفور تعيد الى الاذهان اهمية تثبت الفلسطينيين بحقوقهم المشروعة في وطنهم وعدم التفريط بها كما فعل بعض العرب من تطبيع. والذاكرة الفلسطينية يجب الا تكون خنوعة وراضية باليسير من الفتات، بل التمسك بالحق الكامل في هذه الأرض وهذا الوطن الذي هو فوق اي مشروع دولة، فالدولة امر اصطناعي في حين ان الوطن امر طبيعي. ومن الطبيعي أن يناضل الفلسطينيون من أجل البقاء.

 

وأضاف: نحن نمر في فترة عصيبة تسعى فيها اسرائيل بدعم دولي وعربي ايضا الى اقصاء القضية الفلسطينية، ولالغاء قضية اللاجئين من خلال توطينهم ولضم المزيد من الأراضي الفلسطينية لمنع تأسيس ولو دويلة صغيرة على ما تبقى من الأرض الفلسطينية المنهوبة بفعل تصريح بلفور وغيره من المواثيق والمعاهدات الدولية التي لم تأخذ بعين الاعتبار ما يريده الشعب الفلسطيني. لهذا على الفلسطينيين أن يقرروا احد أمرين: إما قبول الاحتلال والتعامل معه بطرق معينة أو رفضه والتعامل معه على انه ضد ارادة الشعب الفلسطيني ويجب اقتلاعه من جذوره. واعتقد ان الشعب الفلسطيني قرر الخيار الثاني.

 

الأكاديمي رائف زريق: بصيص أمل في انتظار الانتخابات الأميركية

 

نتائج الانتخابات الاميركية في الأيام القليلة القادمة، ستكون مهمة ليس فقط لأميركا، إنما للشرق الأوسط بأكمله، وهي لأول مرة تكون بهذه الحدة.

 

وأضاف: صفقة بلفور التي تنفذ أمام أعيننا، بينما بايدن اذا فاز فسيعيد النظر فيها، وأعتقد أنه سيتحدث إلى السلطة الفلسطينية، ربما لن يصل إلى اتفاق معها، وربما يعيد فتح مكتب المنظمة في أميركا، أي أنه قد يبث بعض الأمل، ليس هناك ما يدعو للتفاؤل، لكن يبقى بصيص أمل للمنطقة، ولا نعرف إذا كان سيستمر في سياسة ترمب تجاه سوريا وايران، أي أن المنطقة تنتظر نتائج الانتخابات أكثر من أي انتخابات مضت. ربما لا يكون هناك تفاؤل، لكن سيكون هناك تغيير. ترمب لديه تحالف واضح مع نتنياهو ونتنياهو يراهن ويغذي الفرقة بين حماس والسلطة.

 

وقال زريق: بلفور جرى التعامل معنا وفي صك الانتداب على اننا طوائف واليوم بعد 103 أعوام، لا أحد يشكك في وجود الشعب الفلسطيني، كنا في ذلك الوقت مليونا أما اليوم نحن ستة وسبعة ملايين على أرض فلسطين. وما زال شعبنا قائم على أرضه.