معَ إعلانِ الإدارةِ الأمريكيّةِ عن قرارِها بالاعتراف بالقدسِ عاصمةً لدولةِ الاحتلالِ الإسرائيليّ تكونُ أمريكا قد أشهرَتْ حقيقةَ تبنّيها الكاملِ لمَوقفِ حكومةِ نتانياهو ومطالبِهِ وللرّوايةِ التاريخيّةِ الصهيونيّةِ بخصوصِ الصراعِ الفلسطينيِّ-الإسرائيليِّ المستمرِّ منذُ أكثرَ من قَرْن. وقدْ مهَّدت الإدارةُ الأمريكيّةُ لقرارِها بحملةٍ مكثّفةٍ من الاتّصالاتِ مع قادةِ المنطقةِ بشكلٍ يوحي بأنّها تحاوِلُ بلورَةَ مبادرةٍ يُمكنُ أن تكونَ نقطةَ انطلاقٍ للبحثِ الجدّيِّ في مستقبلِ المنطقة. وقد تجاوبت القيادةُ الفلسطينيّةُ معَ الطّرحِ الأمريكيّ بشكلٍ عمليٍّ وذلكَ عبرَ لقاءاتِ الرئيس أبو مازن مع الرئيس الأمريكيّ مرّاتٍ عديدةً، وعبرَ مشاوراتٍ طويلةٍ بين المسؤولينَ الفلسطينيّين ومستشاري الرئيس ترامب المكلَّفين بمتابعةِ ملفّ "الشرقِ الأوسط".
لم يغيّر القرارُ الأمريكيُّ بخُصوصِ القدسِ من وضعِها القانونيِّ بصفتِها جزءًا من الأراضي الفلسطينيّة الواقعةِ تحتَ الاحتلالِ الإسرائيليّ، وهو وضعٌ نصّتْ عليهِ وأكَّدَتْهُ قرارتُ مجلسِ الأمنِ الدوليّ والجمعيّةِ العامّةِ للأممِ المتّحدة. وفي نفسِ السّياقِ، فإنّ موقفَ إدارةِ ترامب من قضيّةِ اللاجئينَ الفلسطينيّينَ أو من مسألةِ الاستيطانِ الاستعماريِّ في فلسطينَ لا يغيّرُ من شرعيّةِ مَطالبِ فلسطينَ بإنجازِ حقِّ العودةِ أو تأكيدِها على عدَمِ شرعيّةِ الاستيطان. ويمكنُ القولُ أنَّ النتيجةَ الملموسةَ لقراراتِ الإدارةِ الأمريكيّةِ المعاديةِ للشعبِ الفلسطينيّ هي تأكيدُ الانحيازِ الأمريكيِّ المُطلَقِ للموقفِ الإسرائيليِّ، بكلّ ما يترتّبُ على هذا الانحيازِ منْ تقويضٍ لدورِ "الوسيطِ" الذي تستّرتْ خَلفهُ هذه الإدارةُ لسنواتٍ طويلة.
تستطيعُ أمريكا وإسرائيلُ انتهاكَ القانونِ الدوليّ وتعطيلَ تنفيذهِ، لكنّهما لا تستطيعانِ إلغاءهُ، والأهمُّ من ذلكَ أنّهما لا تملكانِ القُدرةَ على فرْضِ شروطِهِما على الشّعبِ الفلسطينيّ أو إجبارِ القيادةِ الفلسطينيّةِ على القبولِ بأيّ مخطّطٍ يتعارضُ مع مصلحةِ الشعبِ الفلسطينيِّ أو يتجاهلُ حقوقَهُ في وطنِه. صحيحٌ أنَّ شعبَنا لا يستطيعُ منْعَ أمريكا من نقلِ سفارتِها إلى القُدسِ، لكنّهُ يستطيعُ الثّباتَ على موقِفهِ الرّافضِ للسياسةِ الأمريكيّةِ، فنحنُ ندركُ صعوبةَ المرحلةِ وضَعْفَ الموقفِ العربيِّ الرسميِّ، وهو ما يجعلُ الصّمودَ في الوطنِ أولويَةً مطلقةً يجبُ توفيرُ مستلزماتِها وشروطِ استمراريّتها، وليسَ لدينا وَهْمٌ بإمكانيّةِ تحقيقِ أهدافِنا الوطنيّةِ في ظلِّ حالةِ التردّي التي تعمُّ الوطنَ العربيّ، لكنْ في المقابلِ يجبُ أنْ يتخلّى أعداؤنا عن أوهامِهم بإمكانيّةِ إجبارِنا على التنازُلِ عن تلكَ الحقوق.
*إذا كانت صفقةُ القرنِ تعني كَشفَ الإدارةِ الأمريكيّةِ عن دَعمِها المُطلقِ للمشروعِ الصهيونيّ في فلسطينَ وتنكُّرِها للشرعيّة الدوليةِ، فقد تمَّ تطبيقُ الصّفقةِ بالكامل. أمّا إذا كانَ الهدفُ من ورائها هو إجبارُ شعبِنا على الرّضوخِ للشّروطِ الأمريكيّةِ-الإسرائيليّةِ فإنَّ صفقةَ القرنِ لنْ ترَى النّورَ أبدًا.
٢٣-٨-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها